للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ، وَإِنْ بَنَى فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ الْبِنَاءُ فِيهِ، لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فِي زَاوِيَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا، وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ، فَجَرَى حَفْرُهَا مَجْرَى تَنْقِيَتِهَا، وَحَفْرِ هِدْفَةٍ مِنْهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ الْحَصَا فِي حُفْرَةٍ مِنْهَا لِيَمْلَأَهَا وَيُسَهِّلَهَا بِإِزَالَةِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ مِنْهَا، وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا، وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ فِيهَا لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَوْ يَعْبُرُوا عَلَيْهِ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ، لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا يَعُمُّ وُجُودُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَإِنْ سَقَفَ مَسْجِدًا، أَوْ فَرَشَ بَارِيَّةً فِيهِ، أَوْ نَصَبَ عَلَيْهِ بَابًا، أَوْ جَعَلَ فِيهِ رَفًّا لِيَنْفَعَ أَهْلَهُ، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا، أَوْ بَنَى فِيهِ حَائِطًا، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، ضَمِنَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْجِيرَانُ. وَلَنَا، أَنَّهُ فِعْلٌ أَحْسَنَ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ وَالْجِيرَانُ، وَلِأَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانٌ، كَالْمَأْذُونِ فِيهِ نُطْقًا.

[فَصْل حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ]

(٦٨٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ فِي طَرِيقٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ، ضَمِنَهُ الْعَبْدُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الضَّمَانُ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ هِيَ الْحَفْرُ فِي حَالِ رِقِّهِ، وَكَانَ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى سَيِّدِهِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِعِتْقِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ فِي حَالِ رِقِّهِ، ثُمَّ سَرَى جُرْحُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَلَنَا، أَنَّ التَّلَفَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ وُجِدَ بَعْدَ إعْتَاقِهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا فِي حَالِ رِقِّهِ، ثُمَّ قَتَلَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَفَارَقَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ وُجِدَ حَالَ رِقِّهِ، وَهَاهُنَا حَصَلَ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي نَصْبِ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الضَّمَانُ.

[فَصْلٌ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ]

(٦٨٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بِغَيْرِ إذْنِهِ، ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ جَمِيعَهُ. وَهَذَا قِيَاسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>