قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ . قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ» . وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِنَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، وَمَنْ سِوَاهُمْ لَا يَلْحَقُ بِهِمْ فِي الْوِلَادَةِ وَأَحْكَامِهَا، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِمْ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] . ثُمَّ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] . فَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ عَطَفَ الْوَارِثَ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَ عَلَى الْوَالِدِ.
وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّك وَأَبَاك، وَأُخْتَك وَأَخَاك. وَفِي لَفْظٍ: وَمَوْلَاك الَّذِي هُوَ أَدْنَاك، حَقًّا وَاجِبًا، وَرَحِمًا مَوْصُولًا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا نَصٌّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْزَمَهُ الصِّلَةَ وَالْبِرَّ وَالنَّفَقَةُ مِنْ الصِّلَةِ، جَعَلَهَا حَقًّا وَاجِبًا، وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي عِدَادِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَقَدْ اخْتَصَّتْ بِالْوَارِثِ فِي الْإِرْثِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِنْفَاقِ.
وَأَمَّا خَبَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فَقَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ مِنْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَالِدَ وَالْأَجْدَادَ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ. قُلْنَا: إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالنَّصِّ، ثُمَّ إنَّهُمْ قَدْ أَلْحَقُوا أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بِالْأَوْلَادِ، مَعَ التَّفَاوُتِ، فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ، فَإِنْ كَانَ اثْنَانِ يَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، كَالرَّجُلِ مَعَ عَمَّتِهِ أَوْ ابْنَةِ عَمِّهِ وَابْنَةِ أَخِيهِ، وَالْمَرْأَةِ مَعَ ابْنَةِ بِنْتِهَا وَابْنِ بِنْتِهَا، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ الْمَوْرُوثِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَةُ بِنْتِ عَمِّهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ بِنْتِ أُخْتِهِ.
وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةً أُخْرَى لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ هَاهُنَا؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ: الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ لَا نَفَقَةَ لَهُمَا. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَّةِ مِنْ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا؛ لِكَوْنِهِ ابْنَ أَخِيهَا مِنْ أُمِّهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةَ مُعْتِقِهِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعْتَقَ لَا يَرِثُ مُعْتِقَهُ، وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. فَعَلَى هَذَا، يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَةُ عَمَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَبِيهِ وَابْنَةِ عَمِّهِ وَابْنَةِ أُخْتِهِ كَذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُنَّ نَفَقَتُهُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَارِثٌ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ لِلصَّبِيِّ أُمٌّ وَجَدٌّ فَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ]
(٦٤٩٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أُمٌّ وَجَدٌّ فَعَلَى الْأُمِّ ثُلُثُ النَّفَقَةِ، وَعَلَى الْجَدِّ ثُلُثَا النَّفَقَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute