السَّهْمَ عَرْضًا، لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ السَّهْمِ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ لِلْعَارِضِ، لَا لِسُوءِ رَمْيِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَصَابَ، لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ، وَلِأَنَّ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ الرَّمْيَ الشَّدِيدَ فَيُخْطِئَ، يَجُوزُ أَنْ تَصْرِفَ السَّهْمَ الْمُخْطِئَ عَنْ خَطَئِهِ فَيَقَعَ مُصِيبًا، فَتَكُونَ إصَابَتُهُ بِالرِّيحِ، لَا بِحِذْقِ رَمْيِهِ.
فَأَمَّا إنْ وَقَعَ السَّهْمُ فِي حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَضِ، فَمَرَقَهُ، وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ إصَابَتَهُ لِسَدَادِ رَمْيِهِ، وَمُرُوقَهُ لِقُوَّتِهِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الرِّيحُ لَيِّنَةً خَفِيفَةً، لَا تَرُدُّ السَّهْمَ عَادَةً، لَمْ يُمْنَعْ؛ لِأَنَّ الْجَوَّ لَا يَخْلُو مِنْ رِيحٍ، وَلِأَنَّ الرِّيحَ اللَّيِّنَةَ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي الرَّمْيِ الرَّخْوِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ.
[فَصْلٌ كَانَ شَرْطُهُمَا الْمُتَسَابِقِينَ خَوَاسِقَ]
(٧٩٣٤) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمَا خَوَاسِقَ، وَالْخَاسِقُ: مَا ثَقَبَ الْغَرَضَ، وَثَبَتَ فِيهِ. فَمَتَى أَصَابَ الْغَرَضَ بِنَصْلِهِ، وَثَبَتَ فِيهِ، حُسِبَ لَهُ، وَإِنْ خَدَشَهُ وَلَمْ يَثْقُبْهُ، لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ، وَحُسِبَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرَقَ مِنْهُ اُحْتُسِبَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ رَمْيِهِ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْخَاسِقِ، وَإِنْ خَرَقَهُ، وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ، وَيَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُحْتَسَبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَقَبَ ثَقْبًا يَصْلُحُ لِلْخَسْقِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ السَّهْمُ لِسَبَبٍ آخَرَ، مِنْ سَعَةِ الثَّقْبِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي، لَا يُحْتَسَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا الْخَوَاسِقُ، وَالْخَاسِقُ مَا ثَبَتَ، وَثُبُوتُهُ يَكُونُ بِحِذْقِ الرَّامِي، وَقَصْدِهِ بِرَمْيِهِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُ السَّهْمِ مِنْ الثُّبُوتِ لِمُصَادَفَتِهِ مَا يَمْنَعُ الثُّبُوتَ؛ مِنْ حَصَاةٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ عَظْمٍ، أَوْ أَرْضٍ غَلِيظَةٍ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ، لَمْ يُعَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ مَنَعَهُ مِنْ الثُّبُوتِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَنَعَهُ عَارِضٌ مِنْ الْإِصَابَةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَارِضِ، نَظَرْت، فَإِنْ عُلِمَ مَوْضِعُ الثَّقْبِ بِاتِّفَاقِهِمَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ، نُظِرَ فِي الْمَوْضِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَمْنَعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَلَا يَمِينَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ تَشْهَدُ بِصِدْقِ مَا ادَّعَاهُ.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَوْضِعَ الثَّقْبِ، إلَّا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ خَرَقَ الْغَرَضَ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَمْنَعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ. وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ مَا يَمْنَعُ، وَادَّعَى الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ السَّهْمُ فِي مَوْضِعٍ وَرَاءَهُ مَا يَمْنَعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِصَابَةِ مَعَ احْتِمَالِ مَا يَقُولُهُ الْمُصِيبُ. وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ خَرَقَ أَيْضًا، فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْل شَرْطًا خَاسِقًا فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي ثَقْبٍ فِي الْغَرَضِ أَوْ مَوْضِعٍ بَالٍ]
فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطًا خَاسِقًا، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي ثَقْبٍ فِي الْغَرَضِ أَوْ مَوْضِعٍ بَالٍ، فَنَقَبَهُ وَثَبَتَ فِي الْهَدَفِ مُعَلَّقًا فِي الْغَرَضِ نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْهَدَفُ صَلِيبًا كَصَلَابَةِ الْغَرَضِ، فَثَبَتَ فِيهِ، حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ الْغَرَضَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَثَبَتَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْهَدَفُ تُرَابًا أُهِيلَ، لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ هَلْ كَانَ يَثْبُتُ فِي الْغَرَضِ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا مِنْهُ قَوِيًّا أَوْ لَا.
وَإِنْ صَادَفَ السَّهْمَ فِي ثَقْبٍ فِي الْغَرَضِ قَدْ ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ مَعَ قِطْعَةٍ مِنْ الْغَرَضِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute