للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى أَوْ لَا يُؤَذِّنَ. وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْأَذَانُ أَوْلَى. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَذِّنُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَاتِّبَاعُ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ أَوْلَى، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمَجْمُوعَاتِ وَالْفَوَائِتِ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: (فَإِنْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى فِي رَحْلِهِ) . يَعْنِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ كَمَا يَجْمَعُ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَصَاحِبًا أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْمَعُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتًا مَحْدُودًا، وَإِنَّمَا تُرِك ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ مَعَ الْإِمَام، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ، رَجَعْنَا إلَى الْأَصْل. وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا فَاتَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا مُنْفَرِدًا. وَلِأَنَّ كُلَّ جَمْعٍ جَازَ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ مُنْفَرِدًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِجَمْعٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّمَا جَازَ الْجَمْعُ فِي الْجَمَاعَةِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ سَلَّمُوا أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا.

[فَصْل السُّنَّةُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِمَنْ بِعَرَفَة حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ]

(٢٥٠٧) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَأَنْ يُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ يَرُوحَ إلَى الْمَوْقِفِ؛ لِمَا رَوَى سَالِمٌ، أَنَّهُ قَالَ لِلْحَجَّاجِ يَوْمَ عَرَفَةَ: إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ، فَقَصِّرْ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ تَطْوِيلَ ذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّوَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الزَّوَالِ، وَالسُّنَّةُ التَّعْجِيلُ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى سَالِمٌ، أَنَّ الْحَجَّاجَ أَرْسَلَ إلَى ابْنِ عُمَرَ: أَيَّةَ سَاعَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُوحُ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ رُحْنَا. فَلَمَّا أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَرُوحَ، قَالَ: أَزَاغَتْ الشَّمْسُ؟ قَالُوا: لَمْ تَزِغْ. فَلَمَّا قَالُوا: قَدْ زَاغَتْ. ارْتَحَلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهَجِّرًا، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ جَابِرٍ فِي هَذَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

[فَصْل يَجُوزُ الْجَمْعُ لِكُلِّ مَنْ بِعَرَفَةَ]

فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِكُلِّ مَنْ بِعَرَفَةَ، مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطَنِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَصْرِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ، فَجَمَعَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَرْكِ الْجَمْعِ، كَمَا أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الْقَصْرِ حِينَ قَالَ: (أَتِمُّوا، فَإِنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>