" يُدْفَنُ الْأَنْبِيَاءُ حَيْثُ يَمُوتُونَ " وَصِيَانَةً لَهُمْ عَنْ كَثْرَةِ الطُّرَّاقِ، وَتَمْيِيزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ]
(١٥٩٦) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ؛ لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِمَا «أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْنِيَهُ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ.»
[فَصْلٌ جَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي الدَّفْنِ]
(١٥٩٧) فَصْلٌ: وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي الدَّفْنِ حَسَنٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِزِيَارَتِهِمْ، وَأَكْثَرُ لِلتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ. وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَبِ ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ فِي السِّنِّ وَالْفَضِيلَةِ، إذَا أَمْكَنَ.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّهِيدِ حَيْثُ قُتِلَ]
(١٥٩٨) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّهِيدِ حَيْثُ قُتِلَ قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا الْقَتْلَى فَعَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ.
فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يُنْقَلُ الْمَيِّتُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْحَبَشَةِ، فَحُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَهُ ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إلَّا حَيْثُ مِتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ لِمُؤْنَتِهِ وَأَسْلَمُ لَهُ مِنْ التَّغْيِيرِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ جَازَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ بِنَقْلِ الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى بَأْسًا. وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ حُمِلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، مِنْ الْعَقِيقِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَاتَ ابْنُ عُمَرَ هُنَا، فَأَوْصَى أَنْ لَا يُدْفَنَ هَاهُنَا، وَأَنْ يُدْفَنَ بِسَرِفٍ.
[فَصْلٌ تَنَازَعَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يُدْفَنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَقَالَ الْآخَرُ يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ]
(١٥٩٩) فَصْلٌ: وَإِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يُدْفَنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ. وَقَالَ الْآخَرُ: يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ