للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّرْعَ

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ إلَّا بِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهَا، كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ الَّتِي يُفْسِدُهَا غَرَقُهَا بِالْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّ الْمَاءِ عَنْهَا، وَجَعْلِهَا بِحَالٍ يُمْكِنُ زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيمَا أَرَادَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ، فَكَانَ إحْيَاءً، كَسَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إحْيَاءِ الْأَرْضِ حَرْثُهَا وَلَا زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّمَا أَرَادَ الِانْتِفَاعَ بِهَا، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْإِحْيَاءِ، كَسَقْيِهَا، وَكَالسُّكْنَى فِي الْبُيُوتِ، وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا

وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إحْيَاءِ الْأَرْضِ لِلسُّكْنَى نَصْبُ الْأَبْوَابِ عَلَى الْبُيُوتِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، إلَّا أَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي أَنَّ حَرْثَهَا وَزَرْعَهَا إحْيَاءٌ لَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي إحْيَائِهَا، وَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ نَصْبُ الْأَبْوَابِ عَلَى الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، فَأَشْبَهَ التَّسْقِيفَ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ السُّكْنَى مُمْكِنَةٌ بِدُونِ نَصْبِ الْأَبْوَابِ، فَأَشْبَهَ تَطْيِينَ سُطُوحِهَا وَتَبْيِيضَهَا.

[مَسْأَلَة حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمْلِيكِ]

(٤٣٦١) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا، فَيَكُونَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا حَوَالَيْهَا، وَإِنْ سَبَقَ إلَى بِئْرٍ عَادِيَّةٍ، فَحَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا) الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: الْقَدِيمَةُ، مَنْسُوبَةٌ إلَى عَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ، نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ، فَكُلُّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمْلِيكِ، فَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

وَمَنْ سَبَقَ إلَى بِئْرٍ عَادِيَّةٍ، كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ لَهُ. وَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ» .

نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ. وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّحْدِيدِ، بَلْ حَرِيمُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ بِدُولَابٍ فَقَدْرُ مَدَارِ الثَّوْرِ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ بِسَاقِيَةٍ فَبِقَدْرِ طُولِ الْبِئْرِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حَرِيمُ الْبِئْرِ مَدُّ رِشَائِهَا» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ

وَلِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي تَمْشِي إلَيْهِ الْبَهِيمَةُ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِي مِنْهَا بِيَدِهِ، فَبِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَاقِفُ عِنْدَهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ عَيْنًا، فَحَرِيمُهَا الْقَدْرُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ صَاحِبُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَا يَسْتَضِرُّ بِأَخْذِهِ مِنْهَا وَلَوْ عَلَى أَلْفِ ذِرَاعٍ. وَحَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا ثَبَتَ لِلْحَاجَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَيْ فِيهِ الْحَاجَةُ دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>