للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا لِأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ» وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

وَلَنَا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا» وَهَذَا نَصٌّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، وَحَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا. وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُمْلَكُ بِهِ الْمَوَاتُ، فَلَا يَقِفُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، كَالْحَائِطِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْبِئْرِ لَا تَنْحَصِرُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا حَوْلَهَا عَطَنًا لَإِبِلِهِ، وَمَوْقِفًا لِدَوَابِّهِ وَغَنَمِهِ، وَمَوْضِعًا يَجْعَلُ فِيهِ أَحْوَاضًا يَسْقِي مِنْهَا مَاشِيَتَهُ، وَمَوْقِفًا لِدَابَّتِهِ الَّتِي يَسْتَقِي عَلَيْهَا

وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَلَا يَخْتَصُّ الْحَرِيمُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَرْقِيَةِ الْمَاءِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَحَدِيثُنَا أَصَحُّ مِنْهُ، وَرَوَاهُمَا أَبُو هُرَيْرَة، فَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَرِيمَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَاضِي، لَيْسَ بِمَمْلُوكِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذَا.

(٤٣٦٢) فَصْلٌ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ فِيهَا مَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَاءِ، فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ

وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي انطمت وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَجَدَّدَ حَفْرَهَا وَعِمَارَتَهَا، أَوْ انْقَطَعَ مَاؤُهَا، فَاسْتَخْرَجَهُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ إحْيَاءً لَهَا. وَأَمَّا الْبِئْرُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ وَمَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، الَّتِي يَرْتَفِقُ بِهَا النَّاسُ، وَهَكَذَا الْعُيُونُ النَّابِعَةُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا. وَلَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا لِلْمُسْلِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، أَوْ لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِهَا مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَهَا ثُمَّ يَتْرُكَهَا، لَمْ يَمْلِكْهَا، وَكَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا.

فَإِذَا تَرَكَهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، وَمَا دَامَ مُقِيمًا عِنْدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ إلَيْهَا، فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>