للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " فَكَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " وَكَانَ لِلَّذِي يُعْتِقُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَهُوَ يَعْتِقُ كُلُّهُ ". وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ» . وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ حُرًّا وَعَتِيقًا بِإِعْتَاقِهِ، مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مُوسِرًا. وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ بِالسِّرَايَةِ، فَكَانَتْ حَاصِلَةً عَقِيبَ لَفْظِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبِيدِهِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الشَّرِيكِ فِيهِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يَنْفُذُ بِالْإِعْتَاقِ أَيْضًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ فِيهِ بِالْإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ. فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ " الْوَاوَ " لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَأَمَّا الْعَطْفُ بِ " ثُمَّ " فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ، لَمْ يُرِدْ بِهَا التَّرْتِيبَ، فَإِنَّهَا قَدْ تَرِدُ لِغَيْرِ التَّرْتِيبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] . وَأَمَّا الْعِوَضُ، فَإِنَّمَا وَجَبَ عَنْ الْمُتْلَفِ بِالْإِعْتَاقِ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ بِقِيمَتِهِ حِينَ الْإِعْتَاقِ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّرَاضِي فِيهِ، وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ، وَقَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا فِيهِ عِتْقٌ، وَلَا لَهُمَا عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقِهِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ يَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيمَةِ.

وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتِقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُؤَدِّ الْقِيمَةَ حَتَّى أَفْلَسَ، عَتَقَ الْعَبْدُ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا، يُزَاحِمُ بِهَا الشَّرِيكَانِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ. وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ جَارِيَةً حَامِلًا، فَلَمْ تُؤَدَّ الْقِيمَةُ حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا، فَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتِقِ إلَّا قِيمَتُهَا؛ حِينَ أَعْتَقَهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَرَّرَهَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ، يُقَوَّمُ وَلَدُهَا أَيْضًا. وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، مَاتَ حُرًّا، وَالْقِيمَةُ عَلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ. وَعِنْدَ مَالِكٍ، لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ، مَا لَمْ يُقَوَّمْ، وَيُحْكَمْ بِقِيمَتِهِ، فَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ عَبْدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>