جَمِيعًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى مُفَارَقَتِهِمْ إيَّاهُ قَبْلَهُ، وَالْمُفَارَقَةُ إنَّمَا جَازَتْ لِلْعُذْرِ. وَيَقْرَأُ، وَيَتَشَهَّدُ، وَيُطِيلُ فِي حَالِ الِانْتِظَارِ حَتَّى يُدْرِكُوهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَقْرَأُ حَالَ الِانْتِظَارِ، بَلْ يُؤَخِّرُ الْقِرَاءَةَ لِيَقْرَأَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، لِيَكُونَ قَدْ سَوَّى بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَ فِيهَا حَالُ سُكُوتٍ، وَالْقِيَامُ مَحَلٌّ لِلْقِرَاءَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، كَمَا فِي التَّشَهُّدِ إذَا انْتَظَرَهُمْ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَلَا يَسْكُتُ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ تَحْصُلُ بِانْتِظَارِهِ إيَّاهُمْ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَالْأَوْلَى فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قَرَأَ فِي انْتِظَارِهِمْ قَرَأَ بَعْدَ مَا جَاءُوا بِقَدْرِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي انْتِظَارِهِمْ قَرَأَ إذَا جَاءُوا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ قَرَأَ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ ثُمَّ رَكَعَ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ أَوْ قَبْلَهُ فَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا رَكَعُوا مَعَهُ، وَصَحَّتْ لَهُمْ الرَّكْعَةُ مَعَ تَرْكِهِ السُّنَّةَ، وَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا رَكْعَةً أُخْرَى، وَأَطَالَ التَّشَهُّدَ بِالدُّعَاءِ وَالتَّوَسُّلِ حَتَّى يُدْرِكُوهُ وَيَتَشَهَّدُوا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامُوا فَقَضَوْا مَا فَاتَهُمْ كَالْمَسْبُوقِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: ١٠٢] . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ. وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرُوِيَ أَنَّهُ سَلَّمَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. وَلِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ بِالثَّانِيَةِ، لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي كَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةٌ لِلْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، ثُمَّ صَلَّى لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةٌ لِلْعَدُوِّ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَهِيَ فِي صَلَاتِهَا، ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَتُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ، وَتَرْجِعُ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَأَتَّى الطَّائِفَةُ الْأُولَى إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهَا، فَتُصَلِّي رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً وَلَا تَقْرَأُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، فَتُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَرِدَةً، وَتَقْرَأُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَارَقَتْ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْبُوقِ إذَا فَارَقَ إمَامَهُ.
قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّكُمْ جَوَّزْتُمْ لِلْمَأْمُومِ فِرَاقَ إمَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهِيَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، وَلِلثَّانِيَةِ فِرَاقُهُ فِي الْأَفْعَالِ، فَيَكُونُ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ يَأْتُونَ بِرَكْعَةٍ وَهُمْ فِي إمَامَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute