وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا، وَيَنْفَرِدُ عَنْهُ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، وَلَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ لَحْمٍ، فَاشْتَرَى هَذَا، لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ، وَلَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ، كَالْبَقْلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَيْسَتَا بِلَحْمٍ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ أَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعَ اللَّحْمِ، كَالْعَظْمِ وَالدَّمِ. فَأَمَّا إنْ قَصَدَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ، حَنِثَ بِأَكْلِ الشَّحْمِ؛ لِأَنَّ لَهُ دَسَمًا، وَكَذَلِكَ الْمُخُّ، وَكُلُّ مَا فِيهِ دَسَمٌ.
(٨١٤٥) فَصْلٌ: وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْأَلْيَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا نَابِتَةٌ فِي اللَّحْمِ، وَتُشْبِهُهُ فِي الصَّلَابَةِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى لَحْمًا، وَلَا يُقْصَدُ بِهَا مَا يُقْصَدُ بِهِ، وَتُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالذَّوْبِ وَالطَّعْمِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهَا، كَشَحْمِ الْبَطْنِ. فَأَمَّا الشَّحْمُ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وَفِي تَضَاعِيفِ اللَّحْمِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: اللَّحْمُ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ. يُشِيرُ إلَى مَا يُخَالِطُ اللَّحْمَ مِمَّا تُذِيبُهُ النَّارُ، وَهَذَا كَذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ طَلْحَةَ الْعَاقُولِيِّ. وَمِمَّنْ قَالَ: هَذَا شَحْمٌ. أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لَحْمٌ، يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا بَائِعُهُ شَحَّامًا، وَلَا يُفْرَدُ عَنْ اللَّحْمِ مَعَ الشَّحْمِ، وَيُسَمَّى بَائِعُهُ لَحَّامًا، وَيُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا، وَلَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ لَحْمٍ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ، لَزِمَهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فِي شِرَاءِ الشَّحْمِ، لَمْ يَلْزَمْهُ.
وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: ١٤٦] . وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّحْمَ فِي صِفَتِهِ وَذَوْبِهِ، وَيُسَمَّى دُهْنًا، فَكَانَ شَحْمًا كَاَلَّذِي فِي الْبَطْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا أَنَّهُ يُسَمَّى بِمُفْرَدِهِ لَحْمًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى اللَّحْمُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لَحْمًا سَمِينًا، وَلَا يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِمُفْرَدِهِ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ تَبَعًا لِلَّحْمِ، وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ فِي الْوُجُودِ وَالْبَيْعِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بَائِعُهُ لَحَّامًا، وَلَمْ يُسَمَّ شَحَّامًا، لِأَنَّهُ سُمِّيَ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ، دُونَ التَّبَعِ.
(٨١٤٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ، لَمْ يَحْنَثْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي الْأَكْلُ مِنْ الْمَرَقِ. وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْوَرَعِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَرَقَ لَا يَخْلُو مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ الذَّائِبَةِ، وَقَدْ قِيلَ: الْمَرَقُ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ حَقِيقَةً، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهُ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ، كَالْكَبِدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَجْزَاءَ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute