يُعَلَّقُ بِالْفَاءِ، وَهَذِهِ لَا فَاءَ فِيهَا، فَيَكُونُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أُتِيَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِهِ، وَإِنَّمَا حَذَفَ الْفَاءَ وَهِيَ مُرَادَةٌ، كَمَا يُحْذَفُ الْمُبْتَدَأُ تَارَةً، وَيُحْذَفُ الْخَبَرُ أُخْرَى، لِدَلَالَةِ بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. فَقَدَّمَ الشَّرْطَ، وَمُرَادُهُ التَّأْخِيرُ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى فَائِدَةٍ، وَتَصْحِيحُهُ عَنْ الْفَسَادِ، وَجَبَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا تَصْحِيحُهُ، وَفِيمَا ذَكَرُوهُ إلْغَاؤُهُ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ. وَقَعَ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لَأَنْ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُك الدَّارَ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ ". وَقَالَ: " صِلْهُمْ وَإِنْ قَطَعُوك، وَأَعْطِهِمْ وَإِنْ حَرَمُوك ". وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ، دُيِّنَ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى. فَمَتَى دَخَلَتْ الْأُولَى طَلَقَتْ، سَوَاءٌ دَخَلَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، وَلَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الْأُخْرَى. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: تَطْلُقُ بِدُخُولِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُقْتَضَيْ اللُّغَةِ مَا قُلْنَاهُ.
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت جَعْلَ الثَّانِي شَرْطًا لِطَلَاقِهَا أَيْضًا. طَلَقَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ شَرْطٌ لِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ، فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَهُ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى. طَلَقَتْ بِدُخُولِ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى شَرْطٍ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ. قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ، وَطَلَقَتْ بِدُخُولِ الْأُولَى وَحْدَهَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَقَدْ قِيلَ: لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا جَزَاءً لِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقْ بِأَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطَيْنِ بِحَرْفَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute