بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ وَسَطَ الصَّفِّ مَوْقِفٌ لِلْإِمَامِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْعُرَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَصَلَاةُ مَنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ فَاسِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ لِلْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، خَالَفَ السُّنَّةَ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا مَأْمُومٌ وَاحِدٌ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَارَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَمْ تَبْطُلْ تَحْرِيمَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْقِفًا، لَاسْتَأْنَفَ التَّحْرِيمَةَ، كَأَمَامِ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُ مَوْقِفٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ آخَرُ، فَكَانَ مَوْقِفًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخَرُ كَالْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ جَانِبَيْ الْإِمَامِ، فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ.
وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَجِئْت، فَقُمْت فَوَقَفْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَجِئْت، فَوَقَفْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِابْتِدَاءِ التَّحْرِيمَةِ. قُلْنَا: لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُحْرِمُ قَبْلَ الْمَأْمُومِينَ، وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِمَا قَبْلَ إحْرَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُونَ يُحْرِمُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْبَاقِينَ فَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مَوْقِفٌ إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ آخَرُ. قُلْنَا: كَوْنُهُ مَوْقِفًا فِي صُورَةٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَوْقِفًا فِي أُخْرَى، كَمَا خَلْفَ الصَّفِّ، فَإِنَّهُ مَوْقِفٌ لِاثْنَيْنِ، وَلَا يَكُونُ مَوْقِفًا لِوَاحِدٍ، فَإِنْ مَنَعُوا هَذَا أَثْبَتْنَاهُ بِالنَّصِّ.
(١١٦٤) فَصْلٌ: فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ إمَامِهِ وَخَلْفَ الْإِمَامِ صَفٌّ، احْتَمَلَ أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ وَلِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ بِهِ، فَصَحَّ الْوُقُوفُ عَنْ يَسَارِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ آخَرُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْقِفٍ إذَا لَمْ يَكُنْ صَفٌّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute