للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَكُنْ مَوْقِفًا مَعَ الصَّفِّ كَأَمَامِ الْإِمَامِ، وَفَارَقَ مَا إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ آخَرُ، لِأَنَّهُ مَعَهُ فِي الصَّفِّ، فَكَانَ صَفًّا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ كَانَ وَقَفَ مَعَهُ خَلْفَ الصَّفِّ. (١١٦٥) فَصْلٌ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ، لَمْ تَصِحَّ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ: تَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ خَلْفَهُ.

وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ". وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى وَرَائِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْقُولِ. فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَيُفَارِقُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى وَرَائِهِ.

(١١٦٦) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا ذَكَرًا، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ رَجُلًا كَانَ، أَوْ غُلَامًا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ، وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سِرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً تَقَدَّمَ الْإِمَامُ، وَوَقَفَ الْمَأْمُومَانِ خَلْفَهُ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ يَقِفُوا جَمِيعًا صَفًّا. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ جَبَّارًا وَجَابِرًا، فَجَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، وَلَمَّا صَلَّى بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ جَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَجَبَّارٍ يَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُمَا إلَى خَلْفِهِ، وَلَا يَنْقُلُهُمَا إلَّا إلَى الْأَكْمَلِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَأْمُومَيْنِ صَبِيًّا، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ تَطَوُّعًا، جَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، لِخَبَرِ أَنَسٍ. وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا، جَعَلَ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْغُلَامَ عَنْ يَسَارِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَإِنْ جَعَلَهُمَا جَمِيعًا عَنْ يَمِينِهِ جَازَ، وَإِنْ وَقَفَهُمَا خَلْفَهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُ، فَلَمْ يُصَافَّهُ كَالْمَرْأَةِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَنَفِّلِ، وَالْمُتَنَفِّلُ يَصِحُّ أَنْ يُصَافَّ الْمُفْتَرِضَ، كَذَا هَاهُنَا. (١١٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» . وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>