للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ وَقَدْ تَخَلَّفَ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، فِي " سُنَنِهِمَا "، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُوَيْدَك، أَسْأَلُك، إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» .

قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا يَقْضِيهِ إيَّاهَا بِالسِّعْرِ. لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يَقْضِيهِ إيَّاهَا بِالسِّعْرِ، إلَّا مَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إنَّهُ يَقْضِيهِ مَكَانَهَا ذَهَبًا عَلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَالِ، فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ عَرْضًا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا ".

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَمَسْرُوقًا الْعِجْلِيّ، سَأَلَاهُ عَنْ كُرَيٍّ لَهُمَا، لَهُ عَلَيْهِمَا دَرَاهِمُ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا إلَّا دَنَانِيرُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطُوهُ بِسِعْرِ السُّوقِ. وَلِأَنَّ هَذَا جَرَى مَجْرَى الْقَضَاءِ، فَيُقَيَّدْ بِالْمِثْلِ، كَمَا لَوْ قَضَاهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَالتَّمَاثُلُ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ؛ لِتَعَذُّرِ التَّمَاثُلِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ. قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَتَغَابَنُونَ بَيْنَهُمْ بِالدَّانَقِ فِي الدِّينَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ فَسَهْلٌ فِيهِ، مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً، وَيُزَادُ شَيْئًا كَثِيرًا.

(٢٨٥٣) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَشْهُورُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ، فَكَانَ الْقَبْضُ نَاجِزًا فِي أَحَدِهِمَا، وَالنَّاجِزُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَالْآخِرُ الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ، إذَا قَضَاهُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمَقْضِيِّ فَضْلًا لِأَجْلِ تَأْجِيلِ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْهُ عَنْ سِعْرِهَا شَيْئًا، فَقَدْ رَضِيَ بِتَعْجِيلِ مَا فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَاهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنَ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ، وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَ وَاسْتَفْصَلَ. (٢٨٥٤)

فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>