، وَلَا يُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ لِلصِّحَّةِ، بَلْ تَصِحُّ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، تَبَعًا لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا كَوْنُهُ مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ. (١٣٤٣)
فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الشُّرُوطِ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الْعَدَدُ، كَالْأَذَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ ذِكْرٌ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْعَدَدُ، كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَيُفَارِقُ الْأَذَانَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ الْإِعْلَامُ، وَالْإِعْلَامُ لِلْغَائِبِينَ، وَالْخُطْبَةُ مَقْصُودُهَا التَّذْكِيرُ وَالْمَوْعِظَةُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِينَ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاضِرِينَ
فَعَلَى هَذَا إنْ انْفَضُّوا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ عَادُوا فَحَضَرُوا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، أَجْزَأَهُمْ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُمْ، إلَّا أَنْ يَحْضُرُوا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، ثُمَّ يَنْفَضُّوا وَيَعُودُوا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، مِنْ غَيْرِ طُولِ الْفَصْلِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، لَزِمَهُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ، إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ لَهَا، لِتَصِحَّ لَهُمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعَادَةِ (١٣٤٤)
فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ اسْتِدَامَةُ الشُّرُوطِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ قَبْلَ كَمَالِهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَ فَقْدَ الطَّهَارَةِ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُمْ إنْ انْفَضُّوا بَعْدَ رَكْعَةٍ، أَنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ: هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى» .
وَلِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا رَكْعَةً، فَصَحَّتْ لَهُمْ جُمُعَةً، كَالْمَسْبُوقِينَ بِرَكْعَةٍ، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ يَخْتَصُّ الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَفُتْ بِفَوَاتِهِ فِي رَكْعَةٍ، كَمَا لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ انْفَضُّوا بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، أَتَمَّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا مُعْظَمَ الرَّكْعَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكُوهَا بِسَجْدَتَيْهَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، أَتَمَّهَا جُمُعَةً لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْفَضُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَتَمَّهَا جُمُعَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ، أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَحَكَى عَنْهُ أَبُو ثَوْرٍ: إنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَتَمَّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَةٌ.
وَلَنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا رَكْعَةً كَامِلَةً بِشُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَضَّ الْجَمِيعُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الْأُولَى. وَقَوْلُهُمْ: أَدْرَكَ مُعْظَمَ الرَّكْعَةِ، يَبْطُلُ بِمَنْ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الرَّكْعَةِ إلَّا السَّجْدَتَانِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مُعْظَمَهَا.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: بَقِيَ مَعَهُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجَمَاعَةُ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَا يَكْفِي فِي الدَّوَامِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَيَسْتَأْنِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute