أَنْ لَا تَأْخُذَ الْجِزْيَةَ إلَّا مِنْ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْأَنْصَارِ شَبَّبَ بِامْرَأَةِ فِي شِعْرِهِ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَلَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ، فَقَالَ: لَوْ أَنْبَتَّ الشَّعْرَ لَحَدَدْتُك.
وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُلَازِمُهُ الْبُلُوغُ غَالِبًا، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَكَانَ عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ، كَالِاحْتِلَامِ، وَلِأَنَّ الْخَارِجَ ضَرْبَانِ، مُتَّصِلٌ، وَمُنْفَصِلٌ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْمُنْفَصِلِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْبُلُوغُ، كَانَ كَذَلِكَ الْمُتَّصِلُ.
وَمَا كَانَ بُلُوغًا فِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ بُلُوغًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، كَالِاحْتِلَامِ، وَالسِّنِّ. وَأَمَّا السِّنُّ، فَإِنَّ الْبُلُوغَ بِهِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ دَاوُد: لَا حَدَّ لِلْبُلُوغِ مِنْ السِّنِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . وَإِثْبَاتُ الْبُلُوغِ بِغَيْرِهِ يُخَالِفُ الْخَبَرَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ أَصْحَابُهُ: سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْغُلَامِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا، سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالثَّانِيَةُ، ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. وَالْجَارِيَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، أَوْ اتِّفَاقٍ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي مَا دُونَ هَذَا، وَلَا اتِّفَاقَ.
وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجْزِنِي فِي الْقِتَالِ، وَعُرِضْت عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ، فَأَجَازَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: عُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فَرَدَّنِي، وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ، فَأَجَازَنِي. فَأُخْبِرَ بِهَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ: أَنْ لَا تَفْرِضُوا إلَّا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشَرَةَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كُتِبَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْحُدُودُ» .
وَلِأَنَّ السِّنَّ مَعْنًى يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ، يَشْتَرِكُ فِيهِ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ، كَالْإِنْزَالِ.
وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَفِيمَا رَوَيْنَاهُ جَوَابٌ عَنْهُ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ دَاوُد لَا يَمْنَعُ إنْبَاتَ الْبُلُوغِ بِغَيْرِ الِاحْتِلَامِ إذَا ثَبَت بِالدَّلِيلِ، وَلِهَذَا كَانَ إنْبَاتُ الشَّعْرِ عَلَمًا.
وَأَمَّا الْحَيْضُ فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى الْبُلُوغِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّه صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا الْحَمْلُ فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُخْلَقُ إلَّا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: ٥] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: ٦] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٧] وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ، فَمَتَى حَمَلَتْ، حُكِمَ بِبُلُوغِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَمَلَتْ فِيهِ.