عَنْ سَمَكٍ، فَدَخَلَ إلَيْهِ دَاخِلٌ فَأَخَذَهُ، وَأَمَّا مَا يَحُوزُهُ مِنْ الْمَاءِ فِي إنَائِهِ، أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْ الْكَلَأِ فِي حَبْلِهِ، أَوْ يَحُوزُهُ فِي رَحْلِهِ، أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعَادِنِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَهُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا، فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَبِيعَ، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أُعْطِيَ أَوْ مُنِعَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ "، عَنْ الْمَشْيَخَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إلَّا مَا حُمِلَ مِنْهُ.» وَعَلَى ذَلِكَ مَضَتْ الْعَادَةُ فِي الْأَمْصَارِ بِبَيْعِ الْمَاءِ فِي الرَّوَايَا، وَالْحَطَبِ، وَالْكَلَأِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَيْسَ لَأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، وَلَا يَتَوَضَّأَ، وَلَا يَأْخُذَ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى بِئْرِهِ، أَوْ بِئْرٍ مُبَاحٍ فَاسْتَقَى بِدَلْوِهِ، أَوْ بِدُولَابٍ أَوْ نَحْوه، فَمَا يُرَقِّيهِ مِنْ الْمَاءِ، فَهُوَ مِلْكُهُ، وَلَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَخْذِهِ فِي إنَائِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْعُيُونِ فِي قَرَارِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبِئْرِ نَفْسِهَا، وَالْعَيْنِ، وَمُشْتَرِيهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يُوَسِّعُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ الْجَنَّةُ» ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ يَهُودِيٍّ، بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَبَّلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَبِيعُ مَاءَهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَهَا بِاثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ الْيَهُودِيُّ: اخْتَرْ، إمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا يَوْمًا وَآخُذَهَا أَنَا يَوْمًا، وَإِمَّا أَنَّ نَنْصِبَ لَك عَلَيْهَا دَلْوًا، وَأَنْصِبَ عَلَيْهَا دَلْوًا. فَاخْتَارَ يَوْمًا وَيَوْمًا، فَكَانَ النَّاسُ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فِي يَوْمِ عُثْمَانَ لِلْيَوْمَيْنِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَفْسَدْت عَلَيَّ بِئْرِي، فَاشْتَرِ بَاقِيَهَا. فَاشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهَا، وَتَسْبِيلهَا، وَصِحَّةِ بَيْعِ مَا يَسْتَقِيهِ مِنْهَا، وَجَوَازِ قِسْمَةِ مَائِهَا بِالْمُهَايَأَةِ، وَكَوْنِ مَالِكِهَا أَحَقَّ بِمَائِهَا، وَجَوَازِ قِسْمَةِ مَا فِيهِ حَقٌّ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكِ.
فَأَمَّا الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ، فَمَا كَانَ نَابِعًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ، كَالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ، وَغَيْرِهَا، لَمْ تُمْلَكْ بِحَالٍ، وَلَوْ دَخَلَ إلَى أَرْضِ رَجُلٍ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ، كَالطَّيْرِ يَدْخُلُ إلَى أَرْضِهِ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُهُ. وَلَا يَمْلِكُهُ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي أَرْضِهِ مُسْتَقَرًّا، كَالْبِرْكَةِ، وَالْقَرَارِ، أَوْ يَحْتَفِرَ سَاقِيَةً، يَأْخُذُ فِيهَا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، كَنَقْعِ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَانَ مَا يَسْتَقِرُّ فِي الْبِرْكَةِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مِيَاهِ الْأَمْطَارِ. وَمَا كَانَ نَابِعًا أَوْ مُسْتَنْبَطًا كَالْقِنَى، فَهُوَ كَنَقْعِ الْبِئْرِ، وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهِ، فَأَمَّا الْمَصَانِعُ الْمُتَّخَذَةُ لِمِيَاهِ الْأَمْطَارِ تُجْمَعُ فِيهَا، وَنَحْوُهَا مِنْ الْبِرَكِ وَغَيْرِهَا، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَهَا، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute