{فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٤٠] . قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنَى، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلَنَا، مَا رَوَتْ فُرَيْعَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، «أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ، فَقَتَلُوهُ بِطَرَفِ الْقَدُومِ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ، وَلَا نَفَقَةٍ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ. قَالَتْ: فَخَرَجْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانِي، أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَّدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، فِي مُوَطَّئِهِ، وَالْأَثْرَمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَضَى بِهِ عُثْمَانُ فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الِاعْتِدَادُ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لِزَوْجِهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِفُرَيْعَةَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك» . وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ زَوْجُهَا. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: «اعْتَدِّي فِي الْبَيْتِ الَّذِي أَتَاك فِيهِ نَعْيُ زَوْجِك» وَفِي لَفْظٍ: «اعْتَدِّي حَيْثُ أَتَاك الْخَبَرُ» فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا، رَجَعَتْ إلَى مَسْكَنِهَا فَاعْتَدَّتْ فِيهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيُّ: لَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْيُ زَوْجِهَا، اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اُمْكُثِي فِي بَيْتِك» وَاللَّفْظُ الْآخَرُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا، فَإِنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ لَا عُمُومَ لَهَا، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الِاعْتِدَادُ فِي السُّوقِ وَالطَّرِيقِ وَالْبَرِّيَّةِ، إذَا أَتَاهَا الْخَبَرُ وَهِيَ فِيهَا. (٦٣٩٣)
فَصْلٌ: فَإِنْ خَافَتْ هَدْمًا أَوْ غَرَقًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ حَوَّلَهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِكَوْنِهِ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، أَوْ مَنَعَهَا السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ إجَارَتِهِ، أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ إلَّا مِنْ مَالِهَا، فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ؛ لِأَنَّهَا حَالُ عُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا بِذَلِكَ أَجْرِ الْمَسْكَنِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُ السُّكْنَى، لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَتْ السُّكْنَى، سَقَطَتْ، وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُهَا النَّقْلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute