لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بِلَفْظِهِ، لَكِنَّهُ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَهَلْ تَحْصُلُ بِذَلِكَ رَجْعَةٌ أَوْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ مَنْ ارْتَجَعَهَا بِلَفْظِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا، سَوَاءً. وَالثَّانِيَةُ، لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِهِ، وَيَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ تَشَعَّثَ، فَهُوَ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ. وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ، فَهَلْ تَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي، لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا، أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ. وَإِنْ وَطِئَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَفِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ وَجْهَانِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: يَتَدَاخَلَانِ. فَانْقِضَاؤُهُمَا مَعًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَدَاخَلَانِ. فَانْقِضَاءُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الْوَطْءِ بِالْقُرُوءِ.
(٦٣٤٨) فَصْلٌ: فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا مَنْ وَطِئَهَا، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِلثَّانِي، وَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ رَجْعَتُهَا فِي بَقِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ لِلزَّوْجَةِ، وَطَرَيَانُ الْوَطْءِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَلَى النِّكَاحِ، لَا يَمْنَعُ الزَّوْجَ إمْسَاكَ زَوْجَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، كَالْمُرْتَدَّةِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَمْنَعُ الرَّجْعَةَ، كَالْإِحْرَامِ.
وَيُفَارِقُ الرِّدَّةَ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ إلَى بَيْنُونَةٍ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ. وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا فِي عِدَّةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ. وَإِذَا ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَكَانَتْ بِالْقُرُوءِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ، انْقَطَعَتْ عِدَّتُهُ بِالرَّجْعَةِ، وَابْتَدَأَتْ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي، كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ. وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً بِالْحَمْلِ، لَمْ يُمْكِنْ شُرُوعُهَا فِي عِدَّةِ الثَّانِي قَبْلَ وَضَعَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا بِالْقُرُوءِ، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا، شَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مُلْحَقًا بِالثَّانِي، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِهِ عَنْ الثَّانِي وَتُقَدِّمُ عِدَّةَ الثَّانِي عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا، شَرَعَتْ فِي إتْمَامِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَرْتَجِعَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ.
وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهْت الْأَجْنَبِيَّةَ أَوْ الْمُرْتَدَّةَ. وَالثَّانِي، لَهُ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْهُ لَمْ تَنْقَضِ، وَتَحْرِيمُهَا لَا يَمْنَعُ رَجْعَتَهَا، كَالْمُحَرَّمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute