سُورَةً "، فَلَمَّا أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَّمَهُ إيَّاهَا. وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تَعَلَّقَتْ بِالْجَمِيعِ، فَلَمْ تَنْحَلَّ بِالْبَعْضِ، كَالْإِثْبَاتِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ، فَأَمَّا إنْ نَوَى الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى. وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا شَرِبْت هَذَا النَّهْرَ، أَوْ هَذِهِ الْبِرْكَةَ. تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِبَعْضِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمِيعِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا يَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الْخُبْزَ، وَلَا أَشْرَبُ الْمَاءَ. وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا عُلِّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ، أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى اسْمِ جَمْعٍ، كَالْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ، وَالْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَسَلَّمَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي اسْمِ الْجِنْسِ دُونَ الْجَمْعِ. وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ مُضَافٍ، كَمَاءِ النَّهْرِ، حَنِثَ أَيْضًا بِفِعْلِ الْبَعْضِ، إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ كُلُّهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْآخَرُ، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي جَمِيعَهُ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِبَعْضِهِ، كَمَاءِ الْإِدَاوَةِ. وَلَنَا؛ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شُرْبُ جَمِيعِهِ، فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِبَعْضِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَكَلَّمَ بَعْضَهُمْ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَاءَ الْإِدَاوَةِ، وَإِنْ نَوَى بِيَمِينِهِ فِعْلَ الْجَمِيعِ، أَوْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا صُمْت يَوْمًا. لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُكْمِلَهُ.
وَإِنْ حَلَفَ: لَا صَلَّيْت صَلَاةً، وَلَا أَكَلْت أَكْلَةً. لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُكْمِلَ الصَّلَاةَ وَالْأَكْلَةَ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ حِضْت حَيْضَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَا كِلْتَاهُمَا فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ فِعْلَ الْجَمِيعِ، فَوَجَبَ تَعَلُّقُ الْيَمِينِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا صُمْت يَوْمًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ: إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَلُقَتْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا حَلَفَ: لَا صَلَّيْت صَلَاةً. لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يُسَمَّى صَلَاةً. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَلَا يَصُومُ، حَنِثَ فِي الصَّلَاةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الصِّيَامِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ إذَا نَوَى الصِّيَامَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصِّيَامِ، وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْجُدَ سَجْدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute