وَلَنَا عَلَى الزُّهْرِيِّ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالرُّبَيِّعِ، وَالْمِقْدَامِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ رَأْسِهِ.» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا. وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُمَا إلَى الْوَجْهِ لِمُجَاوَرَتِهِمَا لَهُ، وَالشَّيْءُ يُسَمَّى بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ.
وَلَنَا عَلَى مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مِنْ الْوَجْهِ فِي حَقِّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، فَكَانَ مِنْهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ كَسَائِرِ الْوَجْهِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْوَجْهَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ. قُلْنَا: وَهَذَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ فِي الْغُلَامِ. وَيُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: أَرَانِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَا بَيْنَ أُذُنِهِ وَصُدْغِهِ، وَقَالَ: هَذَا مَوْضِعٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَاهَدَ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِفْصَلُ اللَّحْيِ مِنْ الْوَجْهِ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ الْخِرَقِيِّ مِفْصَلًا.
(١٥١) فَصْلٌ وَيَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ الْعِذَارُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ الَّذِي هُوَ سَمْتُ صِمَاخِ الْأُذُنِ، وَمَا انْحَطَّ عَنْهُ إلَى وَتَدِ الْأُذُنِ.
وَالْعَارِضُ: وَهُوَ مَا نَزَلَ عَنْ حَدِّ الْعِذَارِ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى اللَّحْيَيْنِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ سَلَمَةَ: مَا جَاوَزَ وَتَدَ الْأُذُنِ عَارِضٌ. وَالذَّقَنُ: مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ. فَهَذِهِ الشُّعُورُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهَا مَعَهُ. وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ الْأَرْبَعَةُ، وَهِيَ الْحَاجِبَانِ، وَأَهْدَابُ الْعَيْنَيْنِ، وَالْعَنْفَقَةُ، وَالشَّارِبُ.
فَأَمَّا الصُّدْغُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدُ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ، وَهُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْ رَأْسِهَا قَلِيلًا، وَالنَّزْعَتَانِ، وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ الرَّأْسِ مُتَصَاعِدًا فِي جَانِبَيْ الرَّأْسِ، فَهُمَا مِنْ الرَّأْسِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الصُّدْغِ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْعِذَارِ، أَشْبَهَ الْعَارِضَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ، مَرَّةً وَاحِدَةً.» فَمَسَحَهُ مَعَ الرَّأْسِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ لَا يَخْتَصُّ الْكَبِيرَ، فَكَانَ مِنْ الرَّأْسِ، كَسَائِرِ نَوَاحِيهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ طَرْدِيٌّ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ، وَلَيْسَ هُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِنَا. فَأَمَّا التَّحْذِيفُ، وَهُوَ الشَّعْرُ الدَّاخِلُ فِي الْوَجْهِ مَا بَيْنَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزْعَةِ، فَهُوَ مِنْ الْوَجْهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَكَانَ مِنْ الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ، كَسَائِرِ الْوَجْهِ.
(١٥٢) فَصْلٌ: وَهَذِهِ الشُّعُورُ كُلُّهَا إنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَا تَصِفُ الْبَشَرَةَ، أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كَثِيفًا وَبَعْضُهَا خَفِيفًا، وَجَبَ غَسْلُ بَشَرَةِ الْخَفِيفِ مَعَهُ وَظَاهِرِ الْكَثِيفِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ فِي الشَّارِبِ، وَالْعَنْفَقَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ، وَجْهًا آخَرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute