بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ. وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَفِي مُصَالَحَةِ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَفِي لِقَاءِ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَرُوِيَ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَشَاوَرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَعُمَرُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ.
وَرُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، إذَا نَزَلَ بِهِ الْأَمْرُ شَاوَرَهُمْ فِيهِ. وَلَا مُخَالِفَ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمَّا وَلِي سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ، كَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ يُشَاوِرُهُمَا، وَوَلِيَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَضَاءَ الْكُوفَةِ، فَكَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ يُشَاوِرُهُمَا، مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ كَانَ الْحُكَّامُ يَفْعَلُونَهُ، يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْتَبِهُ بِالْمُشَاوِرَةِ، وَيَتَذَكَّرُ مَا نَسِيَهُ بِالْمُذَاكَرَةِ، وَلِأَنَّ الْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِ الْعُلُومِ مُتَعَذِّرَةٌ. وَقَدْ يَنْتَبِهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَةِ الْحَادِثَةِ مَنْ هُوَ دُونَ الْقَاضِي، فَكَيْفَ بِمَنْ يُسَاوِيهِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، جَاءَتْهُ الْجَدَّتَانِ، فَوَرَّثَ أُمَّ الْأُمِّ، وَأَسْقَطَ أُمَّ الْأَبِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَقَدْ أَسْقَطْت الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَرِثَهَا، وَوَرَّثْت الَّتِي لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا. فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشْرَكَ بَيْنَهُمَا.
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ، كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْت رَجُلًا قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجِي، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَيَبِيتُ لَيْلَهُ قَائِمًا، وَيَظَلُّ نَهَارَهُ صَائِمًا فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ مَا يُفْطِرُ. فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَأَثْنَى عَلَيْهَا، وَقَالَ: مِثْلُك أَثْنَى الْخَيْرِ. قَالَ: وَاسْتَحْيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَامَتْ رَاجِعَةً، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا أَعْدَيْت الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا؟ قَالَ: وَمَا شَكَتْ؟ قَالَ: شَكَتْ زَوْجَهَا أَشَدَّ الشِّكَايَةِ. قَالَ: أَوْ ذَاكَ أَرَادَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْمَرْأَةَ. فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالْحَقِّ أَنْ تَقُولِيهِ، إنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّك جِئْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute