للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ " لَا تَنْقُضُهُ.

" وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَقْضُهُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ "، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ. «بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عُمَرَ، يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ، رُءُوسَهُنَّ، لَقَدْ كُنْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَغْتَسِلُ فَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ» .

وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ نَقْضَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِلْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِهَا حَشْوٌ أَوْ سِدْرٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، فَيَجِبُ إزَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَمْنَعُ، لَمْ يَجِبْ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ اخْتِصَاصُهَا بِكَثْرَةِ الشَّعْرِ وَتَوْفِيرِهِ وَتَطْوِيلِهِ.

وَأَمَّا نَقْضُهُ لِلْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا إذْ كَانَتْ حَائِضًا: «خُذِي مَاءَك وَسِدْرَك، وَامْتَشِطِي» . وَلَا يَكُونُ الْمَشْطُ إلَّا فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ: «اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي» . وَلِابْنِ مَاجَهْ: «اُنْقُضِي شَعْرَك وَاغْتَسِلِي»

؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ نَقْضِ الشَّعْرِ لِيَتَحَقَّقَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ، وَالْحَيْضُ بِخِلَافِهِ، فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِي الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَلِلْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لَا، إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ، فَتَطْهُرِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَرَوَتْ «، أَسْمَاءُ، أَنَّهَا سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَ النَّقْضُ وَاجِبًا لَذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْبَدَنِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ، كَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِالْغُسْلِ، وَلَوْ أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ غُسْلَ الْحَيْضِ، إنَّمَا أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ فَإِنَّهَا قَالَتْ: أَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْت ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>