وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ ذَاتَ زَوْجٍ، رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، جَلَدَهَا سَيِّدُهَا نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنِ. وَلَمْ نَعْرِفُ لَهُ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّ نَفْعَهَا مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا، أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُقِيمُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الْحُرَّ أَوْ الْمَمْلُوكَ لَغَيْرِهِ، لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، وَهُوَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُشْبِهُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَدِّ هُوَ مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِ الزَّوْجِ، وَهُوَ بَدَنُهَا فَلَا يَمْلِكُهُ، وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْتَرَكِ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَأْجَرَةُ إجَارَتُهَا مُؤَقَّتَةٌ تَنْقَضِي.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ نَقُولَ: لَا يَمْلِكُ إقَامَتَهُ عَلَيْهَا فِي حَالِ إجَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى تَفْوِيتِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ، يُخَرَّجُ فِيهَا وَجْهَانِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ الْحَدُّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بِاعْتِرَافٍ، فَلِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ، إذَا كَانَ يَعْرِفُ الِاعْتِرَافَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ وَشُرُوطُهُ، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، اُعْتُبِرَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْعَدَالَةِ، وَمَعْرِفَةِ شُرُوطِ سَمَاعِهَا وَلَفْظِهَا، وَلَا يَقُومُ بِذَلِكَ إلَّا الْحَاكِمُ. وَقَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ: إنْ كَانَ السَّيِّدُ يُحْسِنُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ، وَيَعْرِفُ شُرُوطَ الْعَدَالَةِ، جَازَ أَنْ يَسْمَعَهَا، وَيُقِيمَ الْحَدَّ بِهَا، كَمَا يُقِيمُهُ بِالْإِقْرَارِ. وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ، فَأَشْبَهَتْ الْإِقْرَارَ. وَلَا يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ الْإِمَامُ بِعِلْمِهِ، فَالسَّيِّدُ أَوْلَى، فَإِنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ لِلْحَدِّ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ السَّيِّدِ؛ لِكَوْنِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهَا، وَثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ بِالْعِلْمِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُقِيمُهُ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَمَلَكَ إقَامَتَهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَيُفَارِقُ الْحَاكِمَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مُتَّهَمٌ، وَلَا يَمْلِكُ مَحَلَّ إقَامَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ، أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ بَالِغًا عَاقِلًا عَالِمًا بِالْحُدُودِ وَكَيْفِيَّةِ إقَامَتِهَا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ، وَالْجَاهِلَ بِالْحَدِّ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يُفَوَّضُ إلَيْهِ.
وَفِي الْفَاسِقِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ فَنَافَاهَا الْفِسْقُ، كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ اسْتَفَادَهَا بِالْمِلْكِ، فَلَمْ يُنَافِهَا الْفِسْقُ كَبَيْعِ الْعَبْدِ. وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِ. وَفِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ. وَالثَّانِي: تَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا، وَعَائِشَةَ قَطَعَتْ أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ، وَحَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَلِأَنَّهَا مَالِكَةٌ تَامَّةُ الْمِلْكِ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفَاتِ أَشْبَهَتْ الرَّجُلَ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّ الْحَدَّ يُفَوَّضُ إلَى وَلِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَمَوْلَاتَهَا، فَمَلَكَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَمْلُوكَتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute