للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَدُهَا، وَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّهَا هُوَ كَانَتْ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّ وَلَدَهَا لَوْ مَلَكَتْهُ بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ كَانَتْ قِيمَتُهُ لَهَا، فَكَذَلِكَ لَوْ تَبِعَهَا. يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ إذَا تَبِعَهَا، صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا، فَلَا يَثْبُتُ مِلْكُ السَّيِّدِ فِي مَنَافِعِهِ، وَلَا فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: تَكُونُ الْقِيمَةُ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُتِلَتْ، كَانَتْ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا، فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِقَتْلِهَا، فَيَصِيرُ مَالُهَا لِسَيِّدِهَا، بِخِلَافِ وَلَدِهَا؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَنَظِيرُ هَذَا إتْلَافُ بَعْضِ أَعْضَائِهَا. وَالْحُكْمُ فِي إتْلَافِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا كَالْحُكْمِ فِي إتْلَافِهِ. وَأَمَّا كَسْبُهُ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا جُزْءٌ مِنْهَا، تَابِعٌ لَهَا، فَأَشْبَهَ بَقِيَّةَ أَجْزَائِهَا، وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا لِكِتَابَتِهَا سَبَبٌ لِعِتْقِهِ، وَحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِيهِ، بِمَنْزِلَةِ صَرْفِهِ إلَيْهِ، إذْ فِي عَجْزِهَا رِقُّهُ، وَفَوَاتُ كَسْبِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فَعَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِكَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهَا، فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا عِتْقُهُ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا أَوْ إبْرَائِهَا، وَيَرِقُّ بِعَجْزِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا.

وَإِنْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَلَى كِتَابَتِهَا، بَطَلَتْ كِتَابَتُهَا، وَعَادَ رَقِيقًا قِنًّا، إلَّا أَنْ تُخَلِّفَ وَفَاءً، فَيَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا، لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَبِعَهَا فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ، وَمَا حَصَلَ الْأَدَاءُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ عِتْقُهَا بِأَمْرٍ لَا يَتْبَعُهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً. وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الَّذِينَ قَالُوا: تَبْطُلُ كِتَابَتُهَا بِعِتْقِهَا. أَنْ يَعُودَ وَلَدُهَا رَقِيقًا. وَمُقْتَضَى قَوْلِنَا، أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْأَدَاءُ عَنْهَا لِحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ بِدُونِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ يَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَلَا فِي يَدِهَا مَالٌ يَأْخُذُهُ، لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ، فَانْتَفَى لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا، فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى عِتْقِ وَلَدِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ بِإِعْتَاقِهَا لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى إبْرَائِهَا مِنْ مَال الْكِتَابَة. وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْ بِاسْتِيلَادِ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ تَعْلِيقٍ بِصِفَةِ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهَا؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ الْكِتَابَةِ. وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ دُونَهَا، صَحَّ عِتْقُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَصَحَّ عِتْقُهُ، كَأُمِّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ مَعَهَا لَصَحَّ، وَمَنْ صَحَّ عِتْقُهُ مَعَ غَيْرِهِ، صَحَّ مُفْرَدًا، كَسَائِرِ مَمَالِيكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>