للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُزْ أَنْ تَؤُمَّهُمْ، كَالْمَجْنُونِ. وَحَدِيثُ أُمِّ وَرَقَةَ إنَّمَا أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ نِسَاءَ أَهْلِ دَارِهَا، كَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ لَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ فِي الْفَرَائِضِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا، وَالْأَذَانُ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي الْفَرَائِضِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرَائِضِ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالتَّرَاوِيحِ وَاشْتِرَاطَ تَأَخُّرِهَا تَحَكُّمٌ يُخَالِفُ الْأُصُولَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِأُمِّ وَرَقَةَ، لَكَانَ خَاصًّا بِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، فَتَخْتَصُّ بِالْإِمَامَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.

وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَلَا يَؤُمُّ خُنْثَى مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ امْرَأَةً وَالْمَأْمُومُ رَجُلًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّهُ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا. قَالَ الْقَاضِي: رَأَيْت لِأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ أَنَّ الْخُنْثَى لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَ مَعَ الرِّجَالِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ قَامَ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ وَحْدَهُ أَوْ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَإِنْ أَمَّ الرِّجَالَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً.

وَإِنْ أَمَّ النِّسَاءَ فَقَامَ وَسَطَهُنَّ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَإِنْ قَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ احْتَمَلَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَفِي صُورَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ مَأْمُومًا؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَامَتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا. (١١٤١) فَصْلٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ نِسَاءً أَجَانِبَ، لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ، وَأَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ مَعَ الرِّجَالِ، فَإِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ أَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءً، وَقَدْ أَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَسًا وَأُمَّهُ فِي بَيْتِهِمْ.

(١١٤٢) فَصْلٌ: إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ، أَوْ كَوْنِهِ خُنْثَى، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، مَا لَمْ يَبِنْ كُفْرُهُ، وَكَوْنُهُ خُنْثَى مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُصَلِّينَ الْإِسْلَامُ، سِيَّمَا إذَا كَانَ إمَامًا، وَالظَّاهِرُ السَّلَامَةُ مِنْ كَوْنِهِ خُنْثَى، سِيَّمَا مَنْ يَؤُمُّ الرِّجَالَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُسْلِمُ تَارَةً وَيَرْتَدُّ أُخْرَى، لَمْ يُصَلِّ خَلْفَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ هُوَ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ. وَإِنْ عَلِمَ رِدَّتَهُ، وَشَكَّ فِي إسْلَامِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.

فَإِنْ كَانَ عَلِمَ إسْلَامَهُ، فَصَلَّى خَلْفَهُ، فَقَالَ بَعْدَ الصَّلَاةِ: مَا كُنْت أَسْلَمْت أَوْ ارْتَدَدْت. لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ صَحِيحَةً حُكْمًا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ هَذَا فِي إبْطَالِهَا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>