إذَا كَانَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا، وَالْفَاسِقِ، وَالْعَبْدِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، وَالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى مَنْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ، وَتَكُونُ مُشَارَكَةُ هَؤُلَاءِ لَهُ كَعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَهُ وَحْدَهُ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ، فَإِذَا شَارَكَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِقَاطِ أَوْلَى.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِمَّنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُمَا، وَيُسَلَّمُ إلَى غَيْرِهِمَا.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّنْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ لَوْ انْفَرَدَ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَحْظُ لِلَّقِيطِ مِنْ الْآخَرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَالْمُوسِرُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْظُ لِلطِّفْلِ، وَإِنْ الْتَقَطَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ طِفْلًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ، فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ وِلَايَةً عَلَى الْكَافِرِ، وَيُقَرُّ فِي يَدِهِ إذَا انْفَرَدَ بِالْتِقَاطِهِ، فَسَاوَى الْمُسْلِمَ فِي ذَلِكَ
وَلَنَا أَنَّ دَفْعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ أَحْظُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا، فَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَنْجُو مِنْ النَّارِ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ، فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْيَسَارِ الَّذِي إنَّمَا يُتَعَلَّقُ بِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُوسِرُ بَخِيلًا، فَلَا تَحْصُلُ التَّوْسِعَةُ. فَإِنْ تَعَارَضَ التَّرْجِيحَانِ، فَكَانَ الْمُسْلِمُ فَقِيرًا وَالْكَافِرُ مُوسِرًا، فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْعَ الْحَاصِلَ لَهُ بِإِسْلَامِهِ أَعْظَمُ مِنْ النَّفْعِ الْحَاصِلِ بِيَسَارِهِ مَعَ كُفْرِهِ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ فِي تَقْدِيمِ الْمُوسِرِ، يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ عَلَى الْبَخِيلِ؛ لِأَنَّ حَظَّ الطِّفْلِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي يَحْصُلُ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا بِالْيَسَارِ، وَرُبَّمَا تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِ، وَتَعَلَّمَ مِنْ جُودِهِ.
الرَّابِعُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي كَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ مُقِيمَيْنِ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِيثَارِ بِهِ. وَإِنْ تَشَاحَّا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٤] . وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَهَايَآهُ، فَجُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَضَرَّ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْأَغْذِيَةُ وَالْأُنْسُ وَالْإِلْفُ.
وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا مُتَسَاوٍ، فَتَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِالتَّحَكُّمِ لَا يَجُوزُ، فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي تَعْيِينِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ، وَبَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْبِدَايَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَبَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْإِعْتَاقِ. وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ هَا هُنَا، كَمَا تُرَجَّحُ فِي حَضَانَةِ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُجِّحَتْ ثَمَّ لِشَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَتَوَلِّيهَا لِحَضَانَتِهِ بِنَفْسِهَا، وَالْأَبُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَكَانَتْ أُمُّهُ أَحْظَ لَهُ وَأَرْفَقَ بِهِ، أَمَّا هَا هُنَا، فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ اللَّقِيطِ، وَالرَّجُلُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَاسْتَوَيَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسْتُورَ الْحَالِ، وَالْآخَرُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، احْتَمَلَ أَنْ يُرَجَّحَ الْعَدْلُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute