هُوَ الدَّمُ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، إلَى اخْتِيَارِ الْإِفْرَادِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَجَابِرٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْحَجِّ تَامًّا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى جَبْرٍ، فَكَانَ أَوْلَى.
قَالَ عُثْمَانُ: أَلَا إنَّ الْحَجَّ التَّامَّ مِنْ أَهْلِيكُمْ، وَالْعُمْرَةَ التَّامَّةَ مِنْ أَهْلِيكُمْ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، كَانُوا يُجَرِّدُونَ الْحَجَّ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو مُوسَى، وَعَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ، أَنْ يَحِلُّوا، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» . فَنَقَلَهُمْ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَى الْمُتْعَةِ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا
وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا، إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا، وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَالَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت، مَا سُقْت الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» . قَالَ جَابِرٌ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ، بِطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً. فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ، لَفَعَلْت مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ» . وَفِي لَفْظٍ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ، وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْت كَمَا تَحِلُّونَ، وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت، مَا أَهْدَيْت. فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا فَنَقَلَهُمْ إلَى التَّمَتُّعِ، وَتَأَسَّفَ إذْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى فَضْلِهِ. وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] دُونَ سَائِرِ الْأَنْسَاكِ.
وَلِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْتَمِعُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ كَمَالِهِمَا، وَكَمَالِ أَفْعَالِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ، فَكَانَ ذَلِكَ أُولَى، فَأَمَّا الْقِرَانُ فَإِنَّمَا يُؤْتَى فِيهِ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، وَتَدْخُلُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِيهِ، وَالْمُفْرِدُ فَإِنَّمَا يَأْتِي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَإِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَهُ مِنْ التَّنْعِيمِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إجْزَائِهَا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي إجْزَاءِ عُمْرَةِ الْقِرَانِ، وَلَا خِلَافَ فِي إجْزَاءِ التَّمَتُّعِ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، فَكَانَ أَوْلَى.
فَأَمَّا حُجَّتُهُمْ، فَإِنَّمَا احْتَجُّوا بِفِعْلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ أَوْجُهٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute