للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي، أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا، فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدٍ، وَلَا مُكَاتَبٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ.

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ جَوَازَ دَفْعِهَا إلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَتَخَرَّجُ جَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إعْتَاقِهِ فِي كَفَّارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، لِحَاجَتِهِ، فَأَشْبَهَ الْمِسْكِينَ.

وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - عَدَّهُ صِنْفًا فِي الزَّكَاةِ غَيْرَ صِنْفِ الْمَسَاكِينِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَاجَتِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمِسْكِينٍ، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا هِيَ لِلْمَسَاكِينِ؛ بِدَلِيلِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْمِسْكِينَ يُدْفَعُ إلَيْهِ لِتَتِمَّ كِفَايَتُهُ، وَالْمُكَاتَبُ إنَّمَا يَأْخُذُ لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ، أَمَّا كِفَايَتُهُ فَإِنَّهَا حَاصِلَةٌ بِكَسْبِهِ وَمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَلَا مَالٌ، عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ، وَرَجَعَ إلَيْهِ، وَاسْتَغْنَى بِإِنْفَاقِهِ، وَخَالَفَ الزَّكَاةَ؛ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ إلَى الْغَنِيِّ، وَالْكَفَّارَةُ بِخِلَافِهَا. الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى كَافِرٍ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا.

وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الذِّمِّيِّ؛ لِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْمَسَاكِينِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَجْزَأَ الدَّفْعُ إلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ، كَالْمُسْلِمِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ؛ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُعْطِيهِمْ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ. وَلَنَا، إنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَلَمْ يَجُزْ إعْطَاؤُهُمْ، كَمُسْتَأْمَنِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا، فَنَقِيسُ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَكَلُوا الطَّعَامَ، فَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَمْ يُطْعِمْ، لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَوْلِ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْفَطِيمِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُطْعِمْ، وَيَقْبِضُ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّهُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ، فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ، وَلِأَنَّ أَكْلَهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا يَصْرِفُ الْكَفَّارَةَ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، مِمَّا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ، فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . وَهَذَا يَقْتَضِي أَكْلَهُمْ لَهُ، فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ أَكْلِهِ اُعْتُبِرَ إمْكَانُهُ وَمَظِنَّتُهُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ مَظِنَّتُهُ فِيمَنْ لَا يَأْكُلُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعَ حَاجَتِهِ، لَجَازَ دَفْعُ الْقِيمَةِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِطْعَامُ، وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا ذَكَرُوهُ.

فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ فِي وَاحِدٍ، جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَقْبِضُ لَهُ وَكِيلُهُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>