أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُجْحِفَ بِالِابْنِ، وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَلَا يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. الثَّانِي أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَيُعْطِيَهُ الْآخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَى
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَسْرُوقًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِصَدَاقٍ عَشَرَةِ آلَافٍ، فَأَخَذَهَا، وَأَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ لِلزَّوْجِ: جَهِّزْ امْرَأَتَك. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى الْحَسَنُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَهَذَا نَصٌّ
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، كَاَلَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَطْيَبِ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» . أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي. فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، فِي " مُعْجَمِهِ " مُطَوَّلًا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، وَزَادَ: «إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَالْمُطْلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا، وَلِأَبِي مَالٌ وَعِيَالٌ، وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» . أَخْرُجَهُ سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ "
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَلَدَ مَوْهُوبًا لِأَبِيهِ، فَقَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [الأنعام: ٨٤] . وَقَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: ٩٠] . وَقَالَ زَكَرِيَّا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: ٣٩] .
وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ، كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ، كَعَبْدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute