لِأَنَّ شَرِيكَهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ دَاخِلًا فِيهَا.
وَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي عَيْنٍ بَاعَهَا، قُبِلَ إقْرَارُهُ، وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكَّلِهِ بِالْعَيْبِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِبَقِيَّةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، أَوْ بِجَمِيعِهِ، أَوْ بِأَجْرِ الْمُنَادِي أَوْ الْحَمَّالِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَأَدَاءِ ثَمَنِهِ. وَإِنْ رُدَّتْ السِّلْعَةُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا. وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَرْشَ الْعَيْبِ، أَوْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ ثَمَنَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَحْظَ مِنْ الرَّدِّ، وَإِنْ حَطَّ مِنْ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً، أَوْ أَسْقَطَ دَيْنًا لَهُمَا عَنْ غَرِيمِهِمَا، لَزِمَ فِي حَقِّهِ، وَبَطَلَ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَالتَّبَرُّعُ يَجُوزُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ شَرِيكِهِ.
وَإِنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ حَالٌ، فَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، جَازَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ، فَصَحَّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ، كَالْإِبْرَاءِ.
(٣٦٣٨) فَصْلٌ: وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ.
وَإِنْ اشْتَرَى نَسَاءً بِنَقْدٍ عِنْدَهُ مِثْلُهُ، أَوْ نَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ اشْتَرَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَوَات الْأَمْثَالِ وَعِنْدَهُ مِثْلُهُ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا عِنْدَهُ، فَهُوَ يُؤَدِّي مِمَّا فِي يَدَيْهِ، فَلَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ فِي الشَّرِكَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ نَقْدٌ وَلَا مِثْلِيٌّ مِنْ جِنْسِ مَا اشْتَرَى بِهِ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ فَاسْتَدَانَ عَرْضًا، فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً، وَرِبْحُهُ لَهُ، وَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ.
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ بِبَيْعِهِ، أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَقْدٌ، وَلِأَنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُبْضِعَ أَوْ يُودِعَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ التُّجَّارِ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْإِيدَاعِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَفِيهِ غَرَرٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِيدَاعَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ، أَشْبَهَ دَفْعَ الْمَتَاعِ إلَى الْحَمَّالِ. وَفِي التَّوْكِيلِ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ التَّوْكِيلُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ، لَاسْتَفَادَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ مِثْلُ الْعَقْدِ، وَالشَّرِيكُ يَسْتَفِيدُ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ وَدُونَهُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ أَخُصُّ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا، مَلَكَ الْآخَرُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِالتَّوْكِيلِ، فَكَذَلِكَ بِالْعَزْلِ.
وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْهَنَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِمَا، أَوْ يَرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute