(٤٢٨٤) فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ: أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ امْرَأَةٍ. وَقَالَ: بَلْ أَذِنْت لَك فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ رَجُلٍ. أَوْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَمِيصًا. قَالَ: بَلْ قَبَاءً. أَوْ قَالَ الصَّبَّاغُ: أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَحْمَرَ. قَالَ: بَلْ أَسْوَدَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، كَالْمُتَبَايِعِينَ يَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ إذْنِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ، فَكَذَلِكَ فِي صِفَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيه. وَلَنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ لَهُ، كَالْمُضَارِبِ إذَا قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً. وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِلْكِ الْخَيَّاطِ الْقَطْعَ، وَالصَّبَّاغِ الصَّبْغَ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا مَلَكَهُ، وَاخْتَلَفَا فِي لُزُومِ الْغُرْمِ لَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَصَبْغِهِ أَحْمَرَ. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، وَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِعِوَضٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى ثَبَتَ بِقَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ، فَلَا يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
فَأَمَّا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا يَعْتَرِفُ رَبُّ الثَّوْبِ بِتَسْمِيَتِهِ أَجْرًا، وَقَطْعِهِ قَمِيصًا، وَصَبْغِهِ أَسْوَدِ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ. فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا أَذِنْت فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَلَا صَبْغِهِ أَحْمَرَ. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمُسَمَّى. وَلَا يَجِبُ لِلْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَلْبَسُ الْأَقْبِيَةَ وَالسَّوَادَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
وَعَلَى الصَّانِعِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالْقَطْعِ، وَضَمَانُ مَا أَفْسَدَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ رَبِّ الثَّوْبِ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَتَتَرَجَّحُ دَعْوَاهُ بِهِمَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عِقْدٌ أَوْ أَزَجٌ، رَجَّحْنَا دَعْوَاهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، رَجَّحْنَا دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ. وَلَوْ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي الْآلَةِ الَّتِي فِي دُكَّانِهِمَا، رَجَّحْنَا قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آلَةِ صِنَاعَتِهِ. فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ: مَا أَذِنْت لَك فِي قَطْعِهِ قَبَاءً
وَيَكْفِي هَذَا لِأَنَّهُ يَنْتَفِي بِهِ الْإِذْنُ، فَيَصِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute