للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] . وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحَلَالِ، أَشْبَهَ تَحْرِيمَ الْأَمَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلزَّوْجَةِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، فَوَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي. فَأَمَّا إنْ نَوَى غَيْرَ الظِّهَارِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، أَنَّهُ ظِهَارٌ، نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ ظِهَارٌ؛ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالْبَتِّيُّ. رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الْحَرَامِ، أَنَّهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِهَا، فَكَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.

وَعَنْ أَحْمَدَ؛ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ، كَانَ طَلَاقًا. وَقَالَ: إذَا قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا، وَلَا أُفْتِي بِهِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ. وَنَقَلَ عَنْهُ الْبَغَوِيّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك. فَقَالَتْ: أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ. فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ. فَجَعَلَهُ مِنْهَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَاقُ ثَلَاثٍ؛ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.

وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ نَوْعُ تَحْرِيمٍ، فَصَحَّ أَنْ يُكَنَّى بِهِ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ مَعَهُ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ. وَنَوَى بِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إذَا قُلْنَا: إنَّ الرَّجْعَةَ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا تَحْرُمُ بِهِ الزَّوْجَةُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا. فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالزُّهْرِيِّ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ. وَهَذَا يَبْطُلُ بِالظِّهَارِ؛ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ، وَقَدْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَلِأَنَّ هَذَا إيقَاعٌ لِلطَّلَاقِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَنْتِ بَائِنٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَنَوَى يَمِينًا، ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: هُوَ يَمِينٌ، وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>