للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَطِّي شَعْرَك. وَأَنْتِ حُرَّةٌ. وَقَدْ أَعْتَقْتُك. فَهَذِهِ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ؛: إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا ثَلَاثٌ. وَالثَّانِيَةُ، تَرْجِعُ إلَى مَا نَوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَوَاحِدَةٌ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي، مَقِيسٌ عَلَى هَذِهِ، وَهِيَ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك. وَحَلَلْت لِلْأَزْوَاجِ. وَتَقَنَّعِي. وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك. فَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَهَا. وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِك. أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا إلَّا بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ: «الْحَقِي بِأَهْلِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَقَدْ نَهَى أُمَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ: " الْحَقِي بِأَهْلِك ". وَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا غَيْرَ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُطَلِّقَ ثَلَاثًا، فَيَكُونَ غَيْرَ طَلَاقِ السُّنَّةِ. فَقَالَ: لَا أَدْرِي. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك. لَا يَخْتَصُّ الثَّلَاثَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْوَاحِدَةِ، كَمَا يَكُونُ مِنْ الثَّلَاثِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةِ ابْنَةِ زَمْعَةَ: اعْتَدِّي» ، فَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً. وَرَوَى هُشَيْمٌ أَنْبَأْنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ دَجَاجَةَ الْأَسَدِيُّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ عَلَيَّ حَرَجٌ. وَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَمَّا إنَّهَا لَيْسَتْ بِأَهْوَنِهِنَّ. وَأَمَّا سَائِرُ اللَّفَظَاتِ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ ظَاهِرَةٌ؛ فَلِأَنَّ مَعْنَاهَا مَعْنَى الظَّاهِرَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك. إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَبْتُوتَةِ، أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ وَسُلْطَانٌ. وَقَوْلُهُ: أَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ أَعْتَقْتُك. يَقْتَضِي ذَهَابَ الرِّقِّ عَنْهَا، وَخُلُوصَهَا مِنْهُ، وَالرِّقُّ هَاهُنَا النِّكَاحُ. وَقَوْلُهُ: أَنْتِ حَرَامٌ يَقْتَضِي بَيْنُونَتَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ. وَكَذَلِكَ: حَلَلْت لِلْأَزْوَاجِ، لِأَنَّك بِنْتِ مِنِّي. وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ وَاحِدَةٌ. فَلِأَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: حَلَلْت لِلْأَزْوَاجِ. أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك، إذْ لَا يُمْكِنُ حِلُّهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْوَاحِدَةُ تُحِلُّهَا. وَكَذَلِكَ: انْكِحِي مَنْ شِئْت.

وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ، يَتَحَقَّقُ مَعْنَاهَا بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّتِهَا. الْقَسَمُ الثَّالِثُ، الْخَفِيَّةُ نَحْوُ: اُخْرُجِي. وَاذْهَبِي. وَذُوقِي. وَتَجَرَّعِي. وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ. وَاخْتَارِي. وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك. وَسَائِرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَيُؤَدِّي مَعْنَى الطَّلَاقِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثٌ إنْ نَوَى ثَلَاثًا، وَاثْنَتَانِ إنْ نَوَاهُمَا، وَوَاحِدَةٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا ظَهَرَ مِنْ الطَّلَاقِ فَهُوَ عَلَى مَا ظَهَرَ، وَمَا عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ عَلَى مَا عَنَى، مِثْلُ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك. إذَا نَوَى وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَمِثْلُ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك. وَإِذَا نَصَّ فِي هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ، فَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>