فَإِذَا اسْتَحْكَمَتْ حَلَاوَتُهُ، فَعَلَيْهِ نَقْلُهُ. وَإِنْ قِيلَ: بَقَاؤُهُ فِي شَجَرِهِ خَيْرٌ لَهُ وَأَبْقَى؛ فَعَلَيْهِ النَّقْلُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النَّقْلِ قَدْ حَصَلَتْ، وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عِنَبًا، أَوْ فَاكِهَةً سِوَاهُ، فَأَخَذَهُ حِينَ يَتَنَاهَى إدْرَاكُهُ، وَتَسْتَحْكِمُ حَلَاوَتُهُ، وَيُجَزُّ مِثْلُهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. (٢٨٧٩) فَصْلٌ: فَإِنْ أَبَّرَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِلْخَبَرِ الَّذِي عَلَيْهِ مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ صَرِيحَهُ، أَنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَفْهُومَهُ، أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْكُلُّ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْ الْكُلَّ لِلْبَائِعِ، أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِاشْتِرَاكِ الْأَيْدِي فِي الْبُسْتَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ، كَثَمَرِ النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَأْبِيرَ بَعْضِ النَّخْلَةِ يَجْعَلُ جَمِيعَهَا لِلْبَائِعٍ، وَقَدْ يَتْبَعُ الْبَاطِنُ الظَّاهِرَ مِنْهُ، كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ تَتْبَعُ الظَّاهِرَ مِنْهُ. وَلِأَنَّ الْبُسْتَانَ إذَا بَدَا صَلَاحُ ثَمَرَةٍ مِنْهُ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، كَذَا هَاهُنَا، وَهَذَا مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ يَتَقَارَبُ يَتَلَاحَقُ، فَأَمَّا إنْ أُبِّرَ، لَمْ يَتْبَعْهُ النَّوْعُ الْآخَرُ.
وَلَمْ يُفَرِّقْ أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كُلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي، كَمَا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّوْعَيْنِ يَتَبَاعَدَانِ، وَيَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُخْشَى اخْتِلَاطُهُمَا وَاشْتِبَاهُهُمَا. فَأَشْبَهَا الْجِنْسَيْنِ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْجِنْسَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ؛ لِافْتِرَاقِهِمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَلَوْ بَاعَ حَائِطَيْنِ قَدْ أُبِّرَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي؛ لِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. وَلَوْ أُبِّرَ بَعْضَ الْحَائِطِ، فَأُفْرِدَ بِالْبَيْعِ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ، فَلِلْمَبِيعِ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْبَعُ غَيْرَهُ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي أَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَ الْمَبِيعِ، وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلْحَائِطِ كُلِّهِ حُكْمُ التَّأْبِيرِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَا يَصِحُّ؛ هَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُؤَبَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي، بِمَفْهُومِ الْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي بُسْتَانٍ وَحْدَهُ. وَلِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا اخْتِلَافِ الْأَيْدِي، وَلَا إلَى ضَرَرٍ، فَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.
فَإِنْ بِيعَتْ النَّخْلَةُ وَقَدْ أُبِّرَتْ كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا، فَأَطْلَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالطَّلْعُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ، كَمَا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ جِزَازِ الثَّمَرَةِ. وَلِأَنَّ مَا أَطْلَعَ بَعْدَ تَأْبِيرِ غَيْرِهِ لَا يَكَادُ يَشْتَبِهُ بِهِ؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا. (٢٨٨٠) فَصْلٌ: وَطَلْعُ الْفِحَالِ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَلْعُ الْفِحَالِ لِلْبَائِعٍ قَبْلَ ظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ لِلْأَكْلِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، فَهُوَ كَثَمَرَةٍ لَا تُخْلَقُ إلَّا ظَاهِرَةً، كَالتِّينِ، وَيَكُونُ ظُهُورُ طَلْعِهِ كَظُهُورِ ثَمَرَةِ غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute