للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُشْهَدُ بِهِ حَالٌ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَتِهِ بِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِي الْحَالِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُسْمَعُ فِي الْحَالِ، وَيُحْبَسُ شَهْرًا، وَرُوِيَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَرُوِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنَّ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَأَظْهَرَهُ.

وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، جَازَ سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ، كَسَائِرِ الْبَيِّنَاتِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَأَغْنَى عَنْ الْبَيِّنَةِ. فَإِنْ قَالَ الْغَرِيمُ: أَحْلِفُوهُ لِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ جَاءَ بِشُهُودِ عَلَى حَقٍّ، فَقَالَ الْغَرِيمُ اسْتَحْلِفُوهُ: لَا يَسْتَحْلِفُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ: " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ". قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِ الْمَالِ أَوْ بِالْإِعْسَارِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ، فَلَمْ يَسْتَحْلِفْ مَعَهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّ هَذَا عَبْدُهُ، أَوْ هَذِهِ دَارُهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مَالًا خَفِيَ عَلَى الْبَيِّنَةِ. وَيَصِحُّ عِنْدِي إلْزَامُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْإِعْسَارِ، فِيمَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِ الْمَالِ، وَسُقُوطِهَا عَنْهُ فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بِالْإِعْسَارِ، لِأَنَّهَا إذَا شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ، صَارَ كَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلُ مَالٍ أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ غَرِيمُهُ بِتَلَفِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا سِوَاهُ، أَوْ أَنَّهُ اسْتَحْدَثَ مَالًا بَعْدَ تَلَفِهِ.

وَلَوْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ، وَأَقَرَّ لَهُ غَرِيمُهُ بِتَلَفِ مَالِهِ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا سِوَاهُ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، فَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْإِقْرَارِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَثْبُتُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ أَخَذَهُ، كَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَمَهْرٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ كَفَالَةٍ، أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ، إنْ كَانَ امْرَأَةً، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ، حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَمْ يُحْبَسْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ، قُبِلَتْ، وَلَمْ يُسْتَحْلَفْ مَعَهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَتَلِفَ، لَمْ يُسْتَغْنَ بِذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ غَرِيمُهُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَيْنَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدِ بْنِ سَوَاءٍ: «لَا تَيْئَسَا مِنْ الرِّزْقِ مَا اهْتَزَّتْ رُءُوسُكُمَا، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ يُخْلَقُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِشْرَتَاهُ، ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى.» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ ذَنْبًا يُعَاقَبُ بِهِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَالِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>