فَصَحَّ الِائْتِمَامُ بِهِ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مَعَ الْخَشَبِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُمْ يَقْتَتِلُونَ. فَقِيلَ لَهُ: أَتُصَلِّي مَعَ هَؤُلَاءِ، وَمَعَ هَؤُلَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا؟ فَقَالَ: مَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. أَجَبْتُهُ، وَمَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. أَجَبْتُهُ، وَمَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى قَتْلِ أَخِيك الْمُسْلِمِ، وَأَخْذِ مَالِهِ. قُلْت: لَا. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ كَاَلَّذِي يُكَذِّبُ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ بِبِدْعَتِهِ، لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَمَنْ لَا نُكَفِّرُهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَلَنَا: مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِنْبَرِهِ يَقُولُ: «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، أَوْ يَخَافَ سَوْطَهُ أَوْ سَيْفَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُهُ، وَحَدِيثُهُمْ نَقُولُ بِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَتُعَادُ، وَهُوَ مُطْلَقٌ، فَالْعَمَلُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ يُحَصِّلُ الْوَفَاءَ بِدَلَالَتِهِمْ، وَقِيَاسِهِمْ مَنْقُوضٌ بِالْخُنْثَى وَالْأُمِّيِّ. وَيُرْوَى عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُمَرَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْت وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، قُلْت: أُصَلِّي خَلْفَ الْقَدَرِيِّ؟ قَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا أَنَا لَوْ صَلَّيْت خَلْفَهُ لَأَعَدْت صَلَاتِي. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " أَوْ يَسْكَرُ ". فَإِنَّهُ يَعْنِي مَنْ يَشْرَبُ مَا يُسْكِرُهُ مِنْ أَيِّ شَرَابٍ كَانَ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ لِفِسْقِهِ. وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، فِيمَا يُرَى مِنْ سَائِرِ الْفُسَّاقِ، لِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَأَلْت أَحْمَدَ وَقِيلَ لَهُ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَسْكَرُ؟ قَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَهُ أَلْبَتَّةَ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَجُلٍ، ثُمَّ عَلِمْت أَنَّهُ يَسْكَرُ، أُعِيدُ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَعِدْ. قَالَ: أَيَّتُهُمَا صَلَاتِي؟ قَالَ: الَّتِي صَلَّيْتَ وَحْدَك. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ. قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا سَكْرَانَ، أُصَلِّي خَلْفَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأُصَلِّي وَحْدِي؟ قَالَ أَيْنَ أَنْتَ؟ فِي الْبَادِيَةِ؟ الْمَسَاجِدُ كَثِيرَةٌ. قَالَ: أَنَا فِي حَانُوتِي. قَالَ: تَخَطَّاهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ.
فَأَمَّا مَنْ يَشْرَبُ مِنْ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَا لَا يُسْكِرُهُ، مُعْتَقِدًا حِلَّهُ، فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَقَالَ: يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ عَلَى التَّأْوِيلِ، نَحْنُ نَرْوِي عَنْهُمْ الْحَدِيثَ، وَلَا نُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَسْكَرُ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِمَفْهُومِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لِتَخْصِيصِهِ مَنْ سَكِرَ بِالْإِعَادَةِ خَلْفَهُ. وَفِي مَعْنَى شَارِبِ مَا يُسْكِرُ كُلُّ فَاسِقٍ، فَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ فَاجِرٍ وَلَا فَاسِقٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، سُئِلَ عَنْ إمَامٍ، قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُصَلُّوا خَلْفَ مَنْ لَا يُؤَدِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute