للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّكَاةَ، وَقَالَ لَا تُصَلِّ خَلْفَ مَنْ يُشَارِطُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ، ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَالْحُسَيْنُ وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ مَرْوَانَ. وَاَلَّذِينَ كَانُوا فِي وِلَايَةِ زِيَادٍ وَابْنِهِ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَهُمَا. وَصَلَّوْا وَرَاءَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا، وَقَالَ: أَزِيدُكُمْ.

فَصَارَ هَذَا إجْمَاعًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قَالَ: قُلْت. فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ صَلَّيْتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ نَافِلَةً، وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي» . وَفِي لَفْظٍ: " فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ ". وَهَذَا فِعْلٌ يَقْتَضِي فِسْقَهُمْ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» عَامٌّ، فَيَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلِأَنَّهُ رَجُلٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ، فَصَحَّ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْعَدْلِ.

وَوَجْهُ الْأُولَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُؤَمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانِهِ أَوْ سَيْفِهِ» . وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَتَضَمَّنُ حَمْلَ الْقِرَاءَةِ، وَلَا يُؤْمَنُ تَرْكُهُ لَهَا، وَلَا يُؤْمَنُ تَرْكُ بَعْضِ شَرَائِطِهَا كَالطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ ثَمَّ أَمَارَةٌ وَلَا غَلَبَةُ ظَنٍّ يُؤَمِّنَانِ ذَلِكَ. وَالْحَدِيثُ أَجَبْنَا عَنْهُ، وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَافُوا الضَّرَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ، فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ، فَصَلَّيَا بِالْإِيمَاءِ، وَإِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا إنْ صَلَّيَا عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُ بِهِمَا. وَرَوَيْنَاهُ عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ. قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ فُلَانٍ مَا كَانَ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: تَنَحَّ عَنْ مُصَلَّانَا، فَإِنَّا لَا نُصَلِّي خَلْفَك. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ: يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا نَافِلَةً، وَالنِّزَاعُ فِي الْفَرْضِ. (١١٢٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.

وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ يَشْهَدُهَا مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>