بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبِهِ: لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْأَسَنَّ أَحَقُّ بِالتَّوْقِيرِ وَالتَّقْدِيمِ. وَكَذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، لَمَّا تَكَلَّمَ فِي أَخِيهِ: كَبِّرْ كَبِّرْ» . أَيْ دَعْ الْأَكْبَرَ يَتَكَلَّمُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَحَقُّهُمْ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ أَشْرَفُهُمْ، ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، ثُمَّ أَسَنُّهُمْ. وَالصَّحِيحُ، الْأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْدِيمِ السَّابِقِ بِالْهِجْرَةِ، ثُمَّ الْأَسَنِّ؛ لِتَصْرِيحِهِ بِالدَّلَالَةِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمَا هِجْرَةٌ وَلَا تَفَاضُلُهُمَا فِي شَرَفٍ، وَيُرَجَّحُ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ كَالتَّرْجِيحِ بِتَقْدِيمِ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا» وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَشْرَفُ مِنْ الْهِجْرَةِ، فَإِذَا قُدِّمَ بِتَقَدُّمِهَا فَتَقَدُّمُهُ أَوْلَى. فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي هَذَا كُلِّهِ قُدِّمَ أَشْرَفُهُمْ، أَيْ أَعْلَاهُمْ نَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَأَعْلَاهُمْ قَدْرًا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» .
(١١٢٠) فَصْلٌ: فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، قُدِّمَ أَتْقَاهُمْ وَأَوْرَعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ فِي الدِّينِ، وَأَفْضَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدْ جَاءَ: " إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ ". ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " رِسَالَتِهِ "، وَيُحْمَلُ تَقْدِيمُ هَذَا عَلَى الْأَشْرَفِ، لِأَنَّ شَرَفَ الدِّينِ خَيْرٌ مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] . فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي هَذَا كُلِّهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَلِكَ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَذَانِ، فَالْإِمَامَةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute