للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١١١٧) فَصْلٌ: وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْقَارِئَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَثْرَةِ الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:: «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا.» وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي قَدْرِ مَا يَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ قِرَاءَةً وَإِعْرَابًا فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَأُ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» .

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ حِفْظًا، وَالْآخَرُ أَقَلَّ لَحْنًا وَأَجْوَدَ قِرَاءَةً، فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا فِي قِرَاءَتِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (١١١٨) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ) وَذَلِكَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» وَلِأَنَّ الْفِقْهَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِلْإِتْيَانِ بِوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا، وَجَبْرِهَا إنْ عَرَضَ مَا يُحْوِجُ إلَيْهِ فِيهَا، فَإِنْ اجْتَمَعَ فَقِيهَانِ قَارِئَانِ، وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ، وَالْآخَرُ أَفْقَهُ، قُدِّمَ الْأَقْرَأُ. نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَفْقَهُ أَوْلَى؛ لِتَمَيُّزِهِ بِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا يُخَالِفُ عُمُومَ الْخَبَرِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ فَقِيهَانِ، أَحَدُهُمَا أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَالْآخَرُ أَعْرَفُ بِمَا سِوَاهَا، فَالْأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ أَوْلَى، لِأَنَّ عِلْمَهُ يُؤَثِّرُ فِي تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْآخَرِ.

(١١١٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَسَنُّهُمْ) . يَعْنِي: أَكْبَرُهُمْ سِنًّا، يُقَدَّمُ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً، ثُمَّ أَسَنُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَهُوَ مُرَتَّبٌ هَكَذَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ تُوجَدُ أَكْثَرُ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ. وَمَعْنَى تُقَدَّمُ الْهِجْرَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ هِجْرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْهِجْرَةَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ إلَيْهَا لِسَبْقِهِ إلَى الطَّاعَةِ. فَإِذَا اسْتَوَيَا فِيهَا، إمَّا لِهِجْرَتِهِمَا مَعًا، أَوْ عَدَمِهَا مِنْهُمَا، فَأَسَنُّهُمْ؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَالِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>