أَوْ ثَلَاثَةً، غُسِّلَ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ: إنْ تَكَلَّمَ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَجْرُوحِ إذَا بَقِيَ فِي الْمُعْتَرَكِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ مَاتَ، فَرَأَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ مَاتَ حَالَ الْحَرْبِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَالصَّحِيحُ: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الْفَصْلِ، أَوْ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَطُولُ الْفَصْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِع. وَأَمَّا الْكَلَامُ وَالشُّرْبُ، وَحَالَةُ الْحَرْبِ، فَلَا يَصِحُّ التَّحْدِيدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا، بِهِ رَمَقٌ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: فَأَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي السَّلَامَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ أَنْ مَاتَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ أُصَيْرِمَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وُجِدَ صَرِيعًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا جَاءَ بِك؟ قَالَ: أَسْلَمْت، ثُمَّ جِئْت. وَهُمَا مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، دَخَلَا فِي عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» . وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تَكَلَّمَا، وَمَاتَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ.
وَفِي قِصَّةِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَافَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَ أَبَا عَقِيلٍ الْأُنَيْفِيَّ قَالَ: فَسَقَيْته مَاءً، وَبِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلُّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ، فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ جِرَاحَاتِهِ كُلِّهَا، فَلَمْ يُغَسَّل. .
وَفِي فُتُوحِ الشَّامِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَخَذْت مَاءً لِعَلِيٍّ أَسْقِي ابْنَ عَمِّي إنْ وَجَدْت بِهِ حَيَاةً، فَوَجَدْت الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ فَأَرَدْت أَنْ أَسْقِيَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَأَوْمَأَ لِي أَنْ أَسْقِيَهُ، فَذَهَبْت إلَيْهِ لِأَسْقِيَهُ، فَإِذَا آخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَأَوْمَأَ لِي أَنْ أَسْقِيَهُ، فَلَمْ أَصِلْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُفْرَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِغُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَقَدْ مَاتُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ.
(١٦٣٣) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقَتَلَهُ، فَهُوَ كَالْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْعَدُوِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِغَيْرِ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ «رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ، فَأَصَابَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشَهِيدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute