فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ؛ وَلِأَنَّهَا صَامَتْ وَهِيَ طَاهِرٌ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعُدْ الدَّمُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الدَّمَ يَجْرِي تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى. قُلْنَا؛ لَا عِبْرَةَ بِالِانْقِطَاعِ الْيَسِيرِ، وَإِنَّمَا إذَا وُجِدَ انْقِطَاعٌ كَبِيرٌ يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، وَتَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ فِيهِ، وَجَبَتْ عَلَيْهَا؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وَجُوبِهَا.
(٥٠٤) فَصْلٌ: الْفَصْلُ الثَّانِي، إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا فِي الْعَادَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ عَاوَدَهَا فِي الْعَادَةِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ مِنْ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا، فَقَعَدَتْ خَمْسًا، ثُمَّ رَأَتْ الطُّهْرَ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ أَوْ الثَّامِنُ، فَرَأَتْ الدَّمَ، صَلَّتْ وَصَامَتْ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ.
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِوُجُودِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الدَّمِ، فَأَشْبَهَ دَمَ النُّفَسَاءِ الْعَائِدَ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ. فَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْعَادَةِ، وَتَجَاوَزَ الْعَادَةَ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَعْبُرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لَا يَعْبُرَ، فَإِنْ عَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَيَكُونُ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةً؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ، فَكَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ، فَإِلْحَاقُهُ بِالِاسْتِحَاضَةِ أَقْرَبُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَيْضِ؛ لِانْفِصَالِهِ عَنْهُ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ فَمَا دُونَ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَا لَمْ يَعْبُرْ الْعَادَةَ لَيْسَ بِحَيْضٍ.
فَهَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا، وَمَنْ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ. فَفِي هَذَا عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا، أَنَّ جَمِيعَهُ حَيْضٌ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضٌ، مَا لَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَالثَّانِي، أَنَّ مَا وَافَقَ الْعَادَةَ حَيْضٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ الْعَادَةَ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْهَا. وَالثَّالِثُ، أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا لَيْسَ بِحَيْضٍ. فَإِنْ تَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا. فَأَمَّا إنْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ لَا يُمْكِنَ كَوْنُهُ حَيْضًا.
وَالثَّانِي، أَنْ يُمْكِنَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ أَقَلُّ الطُّهْرِ، فَهَذَا اسْتِحَاضَةٌ كُلُّهُ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ جَمِيعِهِ حَيْضًا، فَكَانَ جَمِيعُهُ اسْتِحَاضَةً؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ. وَالثَّانِي، أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إلَى الدَّمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute