أَحَدُهُمَا؛ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ الْمُبَاشِرِ لِجَذْبِهِ. وَالثَّانِي: عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبِ الثَّلَاثَةِ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ مَاتَ بِجَذْبَتِهِ وَجَذْبَةِ الثَّانِي وَجَذْبَةِ الثَّالِثِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ، وَتَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ. الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ثُلُثَاهَا، وَيَسْقُطُ مَا قَابَلَ فِعْلَ نَفْسِهِ، الثَّالِثُ: يَجِبُ ثُلُثهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ. وَأَمَّا الْجَاذِبُ الثَّانِي: فَقَدْ مَاتَ بِالْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَوَّلِ سَوَاءً.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَفِيهِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَوَجْهَانِ آخَرَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ دِيَتَهُ بِكَمَالِهَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِجَذْبِهِ، فَسَقَطَ فِعْلُ غَيْرِهِ بِفِعْلِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفَهَا، وَيَسْقُطُ النِّصْفُ الثَّانِي فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ. (٦٨٧٠) فَصْلٌ: وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَمَاتُوا، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُمْ بِغَيْرِ وُقُوعِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ عَمِيقًا يَمُوتُ الْوَاقِعُ فِيهِ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ، أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يُغْرِقُ الْوَاقِعَ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ أَسَدٌ يَأْكُلُهُمْ، فَلَيْسَ عَلَى بَعْضِهِمْ ضَمَانُ بَعْضٍ؛ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ فِعْلِ بَعْضِهِمْ فِي هَلَاكِ بَعْضٍ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضْمَنْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا نَشْغَلُهَا بِالشَّكِّ.
وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُمْ بِوُقُوعِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفَيْنِ، وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. (٦٨٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ هَلَكُوا بِأَمْرٍ فِي الْبِئْرِ، مِثْلِ أَسَدٍ كَانَ فِيهِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِي، وَالثَّانِي جَذَبَ الثَّالِثَ، وَالثَّالِثُ جَذَبَ الرَّابِعَ، فَقَتَلَهُمْ الْأَسَدُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّابِعِ، وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الثَّانِي: عَلَى عَوَاقِلِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا، وَدَمُ الْأَوَّلِ هَدَرٌ، عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي.
وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ، فَعَلَى الثَّانِي: فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الزُّبْيَةِ، وَقَدْ رَوَى حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، «أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، حَفَرُوا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِهَا، فَهَوَى فِيهَا وَاحِدٌ، فَجَذَبَ ثَانِيًا، فَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا، ثُمَّ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمْ الْأَسَدُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: لِلْأَوَّلِ رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلرَّابِعِ كَمَالُ الدِّيَةِ. وَقَالَ: فَإِنِّي أَجْعَلُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ رَأْسَ الْبِئْرِ. فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ» . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute