للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إلَى مَقَامِ الْآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْآخَرُ إلَى مَقَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ سَجَدَ الْآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ أَمَرَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ حِينَ سَأَلَهُمْ: أَيُّكُمْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا. وَأَمَرَهُ بِنَحْوِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: وَتَأْمُرُ أَصْحَابَكَ إنْ هَاجَهُمْ هَيْجٌ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ الْقِتَالُ وَالْكَلَامُ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ.

وَإِنْ حَرَسَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الثَّانِي إلَى مَقَامِ الْأَوَّلِ، أَوْ حَرَسَ بَعْضُ الصَّفِّ وَسَجَدَ الْبَاقُونَ، جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ، لَكِنَّ الْأُولَى فِعْلُ مِثْلَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ إلَّا كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يُخَافُ كَمِينٌ لَهُمْ.

(١٤٥٤) فَصْلٌ: الْوَجْهُ الرَّابِعُ، أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً مُنْفَرِدَةً، وَيُسَلِّمَ بِهَا، كَمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ: قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعٌ، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَانِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ.

وَهَذِهِ صِفَةٌ حَسَنَةٌ، قَلِيلَةُ الْكُلْفَةِ، لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ، وَلَا إلَى تَعْرِيفِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُفْتَرِضِينَ.

(١٤٥٥) فَصْلٌ: الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يُسَلِّمَ، ثُمَّ تُسَلِّمُ الطَّائِفَةُ، وَتَنْصَرِفُ وَلَا تَقْضِي شَيْئًا. وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَتَيْنِ، وَيُسَلِّمُ بِهَا، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا. وَهَذَا مِثْلُ الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي هَذَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ كَصَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ قَضَتْ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ صِفَةَ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلَ أَحْمَدَ، وَيَحْمِلُهُ عَلَى مَحْمَلٍ فَاسِدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>