يَدْخُلَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَيَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِهَا مِنْ آخِرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ. (٢١٨٨)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَحَبَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِي صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ الْعَشْرَ بِغَيْرِ هَاءٍ عَدَدُ اللَّيَالِي، فَإِنَّهَا عَدَدُ الْمُؤَنَّثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: ٢] . وَأَوَّلُ اللَّيَالِي الْعَشْرِ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَدْخُلُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ حَنْبَلٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ حَدِيثُ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْفَجْرَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ» . وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَوَجْهُهُ مَا رَوَتْ عَمْرَةُ، عَنْ عَائِشَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ، فَفِي وَقْتِ دُخُولِهِ الرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا. (٢١٨٩)
فَصْلٌ: وَمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، ثُمَّ يَغْدُو كَمَا هُوَ إلَى الْعِيدِ، وَكَانَ - يَعْنِي فِي اعْتِكَافِهِ - لَا يُلْقَى لَهُ حَصِيرٌ وَلَا مُصَلًّى يَجْلِسُ عَلَيْهِ، كَانَ يَجْلِسُ كَأَنَّهُ بَعْضُ الْقَوْمِ.
قَالَ: فَأَتَيْته فِي يَوْمِ الْفِطْرِ، فَإِذَا فِي حِجْرِهِ جُوَيْرِيَةٌ مُزَيَّنَةٌ مَا ظَنَنْتهَا إلَّا بَعْضَ بَنَاتِهِ، فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ لَهُ، فَأَعْتَقَهَا، وَغَدَا كَمَا هُوَ إلَى الْعِيدِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْمَسْجِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute