(٢١٩٠)
فَصْلٌ: وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ، لَزِمَهُ شَهْرٌ بِالْأَهِلَّةِ، أَوْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَهَلْ يَلْزَمُهُ. التَّتَابُعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ. أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَصِحُّ فِيهِ التَّفْرِيقُ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ بِمُطْلَقِ النَّذْرِ، كَالصِّيَامِ. وَالثَّانِي، يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَحْصُلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا أَطْلَقَهُ اقْتَضَى التَّتَابُعَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا، وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَالْعِدَّةِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الصِّيَامَ، فَإِنْ أَتَى بِشَهْرٍ بَيْنَ هِلَالَيْنِ، أَجْزَأْهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا. وَإِنْ اعْتَكَفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَهْرَيْنِ، جَازَ، وَتَدْخُلُ فِيهِ اللَّيَالِي؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ عِبَارَةٌ عَنْهُمَا، وَلَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ أَيَّامَ هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ لَيَالِيَ هَذَا الشَّهْرِ. لَزِمَهُ مَا نَذَرَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: شَهْرًا فِي النَّهَارِ، أَوْ فِي اللَّيْلِ. (٢١٩١)
فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي مَا تَنَاوَلَهُ، وَالْأَيَّامُ الْمُطْلَقَةُ تُوجَدُ بِدُونِ التَّتَابُعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيَالِي الدَّاخِلَةُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْذُورَةِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا. وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ التَّتَابُعَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَدْخُلَ اللَّيَالِي فِيهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. فَإِنْ نَوَى التَّتَابُعَ، أَوْ شَرَطَهُ، لَزِمَهُ، وَدَخَلَ اللَّيْلُ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ مَا بَيْنَ الْأَيَّامِ مِنْ اللَّيَالِي. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ مِنْ اللَّيَالِي بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ، يَدْخُلُ فِيهِ مِثْلُهُ مِنْ اللَّيَالِي، وَاللَّيَالِي تَدْخُلُ مَعَهَا الْأَيَّامُ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] .
وَلَنَا، أَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارٌ لِلْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلَ اللَّيَالِي تَبَعًا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا، وَهَذَا يَحْصُلُ بِمَا بَيْنَ الْأَيَّامِ خَاصَّةً، فَاكْتُفِيَ بِهِ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى اللَّيْلِ فِي مَوْضِعٍ وَالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ، فَصَارَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِمَا. فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَةٌ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ مُطْلَقًا، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، هُوَ كَمَا لَوْ نَذَرَهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ لَيْلَتَيْنِ، لَزِمَهُ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، وَلَا مَا بَيْنَهُمَا، إلَّا بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute