للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢١٩٢)

فَصْلٌ: وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَخْرُجَ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَقَوْلِنَا فِي الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَتْبَعُ النَّهَارَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ مُتَتَابِعًا.

وَلَنَا، أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْيَوْمِ، وَهِيَ مِنْ الشَّهْرِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْيَوْمُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَإِنَّمَا دَخَلَ اللَّيْلُ فِي الْمُتَتَابِعِ ضِمْنًا، وَلِهَذَا خَصَّصْنَاهُ بِمَا بَيْنَ الْأَيَّامِ.

وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ، لَزِمَهُ دُخُولُ مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الِاعْتِكَافِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ تَفْرِيقُهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ، قِيَاسًا عَلَى تَفْرِيقِ الشَّهْرِ.

وَلَنَا، أَنَّ إطْلَاقَ الْيَوْمِ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ، فَيَلْزَمُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: مُتَتَابِعًا. وَفَارَقَ الشَّهْرَ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَاسْمٌ لِثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَاسْمٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْيَوْمُ لَا يَقَعُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَإِنْ قَالَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا. لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ؛ لِأَنَّهُ فِي خِلَالِ نَذْرِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَذَرَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بَعْضُ يَوْمَيْنِ لِتَعْيِينِهِ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِدْ يَوْمًا صَحِيحًا. (٢١٩٣)

فَصْلٌ: وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا، لَزِمَهُ مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا، وَلَوْ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ، فَيَلْزَمُهُ يَوْمٌ كَامِلٌ، فَأَمَّا اللَّحْظَةُ، وَمَا لَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا، فَلَا يُجْزِئُهُ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا. (٢١٩٤)

فَصْلٌ: وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسَاجِدِ بِنَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ فِيهِ، إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ، وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِتَعْيِينِهِ، لَزِمَهُ الْمُضِيُّ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرِّحَال لِقَضَاءِ نَذْرِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِتَعْيِينِ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا أَفْضَلُ، فَإِذَا عَيَّنَ مَا فِيهِ فَضِيلَةٌ، لَزِمَتْهُ، كَأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ، فِيمَا عَدَا هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ. لِأَنَّ الْمَسْجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>