الْأَقْصَى لَوْ فُضِّلَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا خُرُوجُهُ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِمَّا كَوْنُ فَضِيلَتِهِ بِأَلْفٍ مُخْتَصًّا بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.
وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُشَدُّ الرِّحَال إلَيْهَا، فَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ فِي النَّذْرِ، كَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّهُ إذَا فُضِّلَ الْفَاضِلُ بِأَلْفٍ، فَقَدْ فُضِّلَ الْمَفْضُولُ بِهَا أَيْضًا. (٢١٩٥)
فَصْلٌ: وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا، وَلِأَنَّ عُمَرَ «نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى؛ لِأَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا دُفِنَ فِي خَيْرِ الْبِقَاعِ، وَقَدْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ.
وَلَنَا، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ» . وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا إنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ قَرِيبًا مِنْ الْمَقَامِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت لَئِنْ فَتَحَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ مَكَّةَ، لَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنِّي وَجَدْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هَاهُنَا فِي قُرَيْشٍ، مُقْبِلًا مَعِي وَمُدْبِرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَاهُنَا فَصَلِّ. فَقَالَ الرَّجُلُ قَوْلَهُ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَاهُنَا فَصَلِّ. ثُمَّ قَالَ الرَّابِعَةَ مَقَالَتَهُ هَذِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ، فَصَلِّ فِيهِ، فَوَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْت هَاهُنَا لَقَضَى عَنْك ذَلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
وَمَتَى نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، فَانْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْمُقَامُ فِيهِ، لَزِمَهُ إتْمَامُ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute