للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ الْقَائِلُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا، مَا تَنَاهَتْ دُونَ الْعَرْشِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَنَادَاهُ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] . قَالَ: فَأَنْصَتَ لَهُ حَتَّى فَهِمَ، ثُمَّ أَجَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠] احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ابْتِدَاءً لَا يُبْطِلُهَا إذَا أَتَى بِهِ عَقِيبَ سَبَبٍ، كَالتَّسْبِيحِ لِتَنْبِيهِ إمَامِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَلَى أَنَّهُ - لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ - يَعْنِي: الْعَاطِسُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ - بِالْحَمْدِ، وَإِنْ رَفَعَ فَلَا بَأْسَ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ.

وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي الْإِمَامِ يَقُولُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". فَيَقُولُ مَنْ خَلْفَهُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " يَرْفَعُونَ بِهَا أَصْوَاتَهُمْ، قَالَ: يَقُولُونَ، وَلَكِنْ يُخْفُونَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ ذَلِكَ، كَمَا كَرِهَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَمْنَعُ الْإِنْصَاتَ، فَجَرَى مَجْرَى التَّأْمِينِ. قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِهَذَا؟ قَالَ: أَكْرَهُهُ. قِيلَ: فَيَنْهَاهُمْ الْإِمَامُ؟ قَالَ: لَا يَنْهَاهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا لَمْ يَنْهَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَهْرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْإِخْفَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ أَحْيَانًا.

(٩٤٥) فَصْلٌ: قِيلَ لِأَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: ٤٠] هَلْ يَقُولُ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ". قَالَ: إنْ شَاءَ قَالَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَلَا يَجْهَرُ بِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] . فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى،. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: ٤٠] . فَقَالَ: سُبْحَانَكَ، وَبَلَى. وَعَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، فَكَانَ إذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: ٤٠] . قَالَ: سُبْحَانَكَ فَبَكَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، فَجَازَ التَّسْبِيحُ فِي مَوْضِعِهِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ يَقْصِدُ بِهِ تَنْبِيهَ آدَمِيٍّ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: ٤٦] . يُرِيدُ الْإِذْنَ، أَوْ يَقُولَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يَحْيَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢] . أَوْ {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: ٣٢] . فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَلَّمَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مَنْ قِيلَ لَهُ: مَاتَ أَبُوكَ. فَقَالَ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] . لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ.

وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ، حِينَ قَالَ لِلْخَارِجِيِّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: ٦٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>