هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةَ، وَمَالِكٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا، فَإِنَّ صَالِحًا رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَقُولُ: دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَأَنَا الْيَوْمَ أَذْهَبُ إلَى نِصْفِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ الَّذِي يَرْوِيه الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَنَّ دِيَتَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ» .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ.» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ دِيَةَ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] .
وَقَالَ فِي الذِّمِّيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دِيَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرٌ حُرٌّ مَعْصُومٌ، فَتَكْمُلُ دِيَتُهُ كَالْمُسْلِمِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» . وَفِي لَفْظٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ عَقْلَ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِم» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي لَفْظٍ: «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ مُؤَثِّرٌ فِي الدِّيَةِ، فَأَثَّرَ فِي تَنْصِيفِهَا كَالْأُنُوثَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَتْ الدِّيَةُ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، فَأَوْجَبَ فِيهِ نِصْفَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ. فَهَذَا بَيَانٌ وَشَرْحٌ مُزِيلٌ لِلْإِشْكَالِ، فَفِيهِ جَمْعٌ لِلْأَحَادِيثِ، فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، بِغَيْرِ إشْكَالٍ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا بَلَغَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ، تَرَكَ قَوْلَهُ، وَعَمِلَ بِهَا، فَكَيْفَ، يَسُوغُ لَأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي تَرْكِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُونَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute